مع اقتراب عملية العدو في رفح من نهايتها، والانتقال إلى «المرحلة الثالثة» من الحرب، يحتدم النقاش في غرف القيادة في تل أبيب حول مصير الجبهة الشمالية مع لبنان، حيث يقترب ما وُصف حتى الآن بـ«التصعيد»، من مفترق طرق سيحوّله، إما إلى حرب مكتملة، مع نقاش في حدودها ونطاقها، أو إلى «تسوية» تنسحب هدوءاً على الجبهة.بحسب التقارير العبرية، فإن إسرائيل لم تتّخذ قرارها بعد. وتتناقض الآراء داخل هيئة أركان جيش الاحتلال حول ذلك. وكتب المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشع، أن «الرأي السائد في هيئة الأركان، هو أن حرباً واسعة ستكون صعبة، لكن الوضع في بيروت سيكون أصعب بمئة ضعف». ونقل يهوشع عن ضابط وصفه بـ«الجنرال الكبير» قوله إن «إسرائيل أخطأت منذ البداية بتركيز ضرباتها ضد حزب الله وليس ضد دولة لبنان». بينما يرى جنرالات آخرون أن «مهاجمة مصالح لبنانية رسمية سيقود إلى حرب واسعة، ويعزّز حزب الله كحامٍ لبنان، ويضرّ بالمجهود المركزي ضد حماس في غزة».
وبحسب الصحيفة نفسها، فإن جنرالات العدو، يشكّكون بشدّة في جدوى التسوية. ونسب يهوشع إلى أحد الجنرالات أن «لا أهمية لاتفاق كهذا من دون عملية عسكرية برية إسرائيلية، تؤدي إلى تدمير قدرات هجومية تهدد المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود»، محذراً من أنه «في حال لم تدمر الغارات الجوية هذه القدرات، سيعود مقاتلو حزب الله إلى منطقة الحدود، وعندها ماذا سنفعل وماذا سنقول للسكان؟».
وفي المقابل، يضيف الكاتب نفسه، أن جنرالات آخرين لا يستنكرون كلام زميلهم، إلا أنهم يقولون إنه «لا توجد حرب محدودة مقابل حزب الله. والمرجّح أن اجتياحاً برياً لجنوب لبنان سيتحول إلى حرب واسعة، تتطوّر إلى حرب إقليمية»، ويشيرون إلى أن «حرباً كهذه نريد خوضها بدعم أميركي، وهو أمر ليس متوفّراً حالياً». وبناء عليه، يخلص يهوشع إلى أن «استمرار ولاية بايدن سيشكل عاملاً آخر في الحسابات الإستراتيجية للمستوى السياسي وجهاز الأمن في إسرائيل»، مضيفاً أنه «في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض فإن علاقته المتميّزة مع النظام الروسي قد تؤدّي إلى إنجازات من دون إراقة دماء»، وهذا الأمر من شأنه أن «يدفع إسرائيل إلى هجوم مبكر قبل انتخابات الرئاسة الأميركية».
أما المحلل العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، فذهب إلى بعد آخر يتعلق بالإدارة الأميركية. وقال إن «ضعف الحزب الديموقراطي، وتزايد احتمالات ترامب بالفوز، سيؤدّيان إلى هزات ارتدادية على إسرائيل وحزب الله وحماس»، مثل أن «ينصاع بايدن للانتقادات من الجناح اليساري في حزبه، وينفّذ خطوات تلجم العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع، أو أن يقدّر حزب الله وإيران أن بايدن قلق جداً الآن، وسيمتنع عن دعم إسرائيل في حال نشوب حرب شاملة في لبنان خلال الصيف الحالي». وأضاف هرئيل أن «إسرائيل لا يمكنها الاعتماد على ترامب الذي يأمل اليمين فيها أن يفوز بالرئاسة، إذ إن ترامب هو سندٌ متهلهل. فقد وصف القيادة الإسرائيلية بأنها انهزامية بعد المجزرة في غلاف غزة، وتخاصم مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عندما اعترف الأخير بفوز بايدن في انتخابات 2020، وألمح إلى عزمه وقف المساعدات الخارجية الأميركية إلى دول صديقة».
مدير شركة الكهرباء للمستوطنين: لا تشتروا المولّدات، فلن تجدوا الوقود لتشغيلها


من جهة أخرى، قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أول من أمس، إن «هُناك تقديرات أميركية تشير إلى أن من المُمكن التوصل إلى تسوية بين إسرائيل وحزب الله، بعيداً عن الحرب الدائرة في غزة». وذكرت الصحيفة أن هذه التسوية من الممكن التوصّل إليها «من دون تحقيق شرط الحزب اللبناني بإنهاء الحرب في قطاع غزة»، وتشمل التسوية «من بين أمور أخرى، إبعاد الأسلحة الثقيلة عن الحدود الإسرائيلية، إلى جانب إعادة تأهيل الاقتصاد اللبناني». وتزامن ذلك، مع إعلان وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت، أنّ «تل أبيب ستتخذ قريباً قراراً بشأن كيفية إعادة سكان المناطق الذين تم إجلاؤهم، سواء عبر اتفاق مع حزب الله يتضمّن تغيير الوضع الأمني على الحدود أم أننا سنفرض ذلك بالقوة». جاء ذلك في تصريحات له خلال جولة تفقّدية، أول من أمس، للقوات الجوية المتمركزة في شمال فلسطين المحتلة. وزعم غالانت أن «الجيش الإسرائيلي بكل تشكيلاته جاهز دفاعاً وهجوماً»، معرباً عن قناعته بأن «الجيش قادر على القيام بأي مهمة يُطلب منه القيام بها».
وعلى صعيد الجبهة الداخلية، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية، عن مدير شركة الكهرباء في الكيان، مئير شبيغلر، قوله إنّه «لا يوصي أحداً بشراء المولّدات في حال اندلاع حرب في الشمال، لأنهم لن يجدوا وقوداً لتشغيلها حينها». وأضافت وسائل الإعلام أن «شبيغلر يستعدّ لأي سيناريو، لكنه لم يشترِ مولداً، ولا يوصي أحداً بذلك أيضاً». وقبل أيام، ارتفع الطلب على مولّدات الكهرباء المنزلية في شمال فلسطين المحتلة، بصورة كبيرة، خوفاً من اندلاع حرب واسعة في الشمال.



لماذا لا يطالب الغرب مواطنيه بمغادرة الكيان؟
خلال الأيام القليلة الفائتة، أصدرت دول غربية وعربية، بشكل متتالٍ، بيانات تحذير لمواطنيها في لبنان، تطلب منهم مغادرته وعدم السفر إليه، ربطاً بالتطورات المتسارعة على الجبهة الجنوبية. إلّا أن اللافت أن هذه التحذيرات لم تترافق مع تحذيرات مشابهة لمواطنيها في إسرائيل. وهو ما يطرح السؤال عما إذا كان ذلك جزءاً من الحرب النفسية ضدّ المقاومة.
العبارات التي استخدمتها كل دولة في تحذيرات السفر، اختلفت، وراوحت بين طلب المغادرة الفورية أو طلب إعادة النظر في السفر. فطلبت ألمانيا من مواطنيها في لبنان مغادرته «بشكل عاجل». وكذلك هولندا التي وصفت الوضع في لبنان بأنه «خطير للغاية». أما كندا فقالت لمواطنيها بأن الوقت الحالي «هو الوقت المناسب للعودة إلى الديار». كما نصحت أستراليا مواطنيها بمغادرة لبنان «بشكل عاجل، بينما لا تزال الطائرات التجارية متاحة». وكانت العبارات التي استخدمتها الولايات المتحدة الأقل حدّة، عبر دعوتها مواطنيها إلى «إعادة النظر بقوة» في السفر إلى لبنان.
في المقابل، لم تصدر هذه الدول تحذيرات جديدة مماثلة لمواطنيها في إسرائيل، ما عدا الولايات المتحدة التي حثّت مواطنيها على «إعادة النظر» بالسفر إلى إسرائيل والضفة الغربية. أما بقية الدول، فيبدو أنها اكتفت بتحذيراتها السابقة التي أصدرتها بعد اندلاع الحرب في غزة وقبل الرّد الإيراني على العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق.