في أحد مقاطع الفيديو التي تمّ تداولها في اليومين الماضيين، ظهر أحد أعضاء «الفرق المتأهبة» في مستوطنة «المنارة» تحيط به النيران، وهو يوجّه كاميرا هاتفه نحو سيارات الإطفاء في طريقها للخروج من المستوطنة تاركة البيوت والأشجار عرضة لألسنة اللهب. في الخلفية سُمع يقول بصوت مختنق: «قوات الإطفاء تركت المستوطنة عرضة للنار. تركتنا وحيدين لنلجم الحريق».ما تقدّم ليس معهوداً. فإسرائيل هذه يفترض أنها دولة «متقدّمة»، لديها ما يكفي من فرق الإطفاء ومروحيات مكافحة الحرائق، وتعبأ لسكانها الذين يبدو أنها، منذ السابع من تشرين الأول الماضي، تفشل فشلاً ذريعاً في حمايتهم، إلى حد أن سكان الشمال أنفسهم قالوا إن «الحكومة سلّمت المفاتيح (للأمين العام لحزب الله، السيد حسن) نصرالله، ونسيتنا». لكن، بعيداً عن الحرب، مرّت إسرائيل بتجربة شبيهة قبل سنوات عندما احترقت أحراج جبل الكرمل في حيفا، واضطرت في حينه للاستعانة بأصدقائها من السلطة الفلسطينية والأردن ومصر وعددٍ من الدول الغربية، وصولاً إلى روسيا التي أرسلت طائرة لمساعدتها في السيطرة على الحريق، إلا أنه يبدو أن الدولة التي تمتهن تشكيل لجان تحقيق والخروج باستنتاجات واستخلاص عبر ودروس من إخفاقاتها في التعامل مع الكوارث، لا تطبّق شيئاً من هذا كلّه.
لعشرين ساعة متواصلة ظلّت الحرائق تلتهم البيوت والأشجار في مستوطنات الجليل، ما دفع الشرطة إلى إغلاق شوارع رئيسية، بينها شارع رقم 85 الذي يفصل الجليل الأعلى عن الأسفل، ويصل بين طبريا شرقاً وعكا غرباً، إثر اشتعال النيران في أكثر من 13 مستوطنة، بينها «كفار غلعادي»، و«كريات شمونة»، و«مرغليوت» و«المنارة» و«كيرن نفتالي» في إصبع الجليل، و«شلومي» في الجليل الغربي، و«أليبيلط» وصفد و«عميعاد» في الجليل الأعلى، و«تل ساكي» و«ناطور» و«مافو حمة» في جنوب الجولان المحتل.
في «كريات شمونة»، وجّه من تبقّى من المستوطنين نداءات للنجدة، فيما اضطر أعضاء الفرقة المتأهبة في «كفار جلعادي» إلى مصارعة النيران وحيدين لساعات. وعند مفرق الأخيرة بذلت طواقم الإطفاء أقصى جهودها للحؤول دون وصول الحرائق إلى مقر عسكري، وفقاً لموقع «واينت» الذي قال إنه «بسبب سقوط عشرات الصواريخ والمُسيّرات الانقضاضية على الجليل والجولان، اندلعت موجة حرائق في واحدٍ من أحرّ أيام العام، وأكثرها جفافاً».
وحتى فجر أمس، ظلّت النيران تلتهم مساحات واسعة من «كريات شمونة»، فيما اضطرت الشرطة إلى إخلاء قلّة من المستوطنين الذين ما زالوا هناك، بموازاة محاولة 13 فريق إطفاء السيطرة على تمدّد النيران في «المنارة» و«كفار جلعادي»، ما أدّى إلى إصابة ستة رجال إطفاء وأعضاء فرق متأهبة بجروح نُقلوا إثرها إلى «مستشفى زيف» في صفد.
اشتعلت النيران في أكثر من 13 مستوطنة في إصبع الجليل والجليل الغربي والأعلى وفي جنوب الجولان المحتل


وقال عضو الفرقة المتأهّبة في «كريات شمونة»، متاي يلوفسكي، الذي كان يزور عائلته المُخلاة إلى «موشاف نحاليم»، إن أصدقاءه اتصلوا به وأخبروه أن النيران تقترب من منزله، وعلى الفور هرع إلى المكان، واضطر إلى استخدام «نبريج» سقاية الحديقة لمنع الحريق من التهام منزله ومنازل جيرانه. وقال عميت فيردمان، وهو أيضاً أحد مستوطني «كريات شمونة»، في مقابلة مع الموقع إنه «لا يمكن التنفّس في كريات شمونة بسبب روائح الحرائق»، وأضاف: «منذ ظهر الإثنين ونحن نعيش كابوس وصول الحرائق إلى منازلنا»، وطالب الحكومة بـ«الاهتمام بالشمال»، متهماً الوزراء بأنهم «نسونا، أو وكأنهم أعطوا المفاتيح لنصرالله ليفعل ما يحلو له».
وطبقاً للموقع، عمل رجال الإطفاء في ظروف خطيرة جداً؛ حيث اضطروا بينما كانوا يلبسون بزّات واقيّة، ويحملون على ظهورهم أسطوانات الأوكسيجين الثقيلة، إلى الركض أكثر من مرّة باتجاه الملاجئ، وفي حادثة واحدة في مستوطنة «مارغليوت»، سقطت صواريخ من دون انطلاق صافرات الإنذار، بينما كانت الطواقم تعمل للسيطرة على الحريق.
وخلال اندلاع الحريق في «كفار جلعادي»، قال عضو الفرقة المتأهبة في المستوطنة ورئيس «لوبي 1701»، نيسان زئيفي، إن النار أتت على حقل أشجار الأفوكادو، وهدّدت أحد الفنادق القريبة ولكن قوات الفرقة عمّلت كل ما في وسعها للحؤول دون ذلك.
وردّ قائد محطة الجليل المركزية للإطفاء والإنقاذ، توفسر مشنيه ناتان بن شموئيل، على اتهامات مستوطني «كريات شمونة» بأن الفرق لم تصل إليهم، مشيراً إلى أنه «كانت هناك قيود عسكرية فُرضت علينا»، موضحاً «على ما يبدو لأسباب أمنية قيّدوا وصولنا، ولكن في الحالات التي كان فيها خطر على الحياة كان الأمر مختلفاً». ولفت إلى أن «أحداث يوم أمس غير معهودة، وبعد 20 ساعة تمكّنا من السيطرة على معظم الحرائق... في الأيام القريبة سنحتاج إلى مزيد من الطواقم».
وفي وقت لاحق من فجر أمس، أجرت شعبة العمليات وقيادتا المنطقة الشمالية، والجبهة الداخلية تقييمات للوضع مع فرق الإطفاء والإنقاذ من أجل «تخصيص وسائل وموارد، وقوات إضافية لجهود إطفاء الحرائق في الشمال». وزار قائد المنطقة الشمالية، اللواء أوري غوردين محطة الإطفاء في «كريات شمونة»، فيما أجرى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، تقييماً للوضع مع رؤساء الأجهزة الأمنية حول التطورات في الشمال.
إلى ذلك، وصف وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ما جرى في الشمال بأنه «إفلاس (حكومي)»، معتبراً أن «سياسة التخلّي والاحتواء التي يتبعها الكابينت، هي استمرار لسياسة التهاون التي أوصلتنا إلى7 أكتوبر. فبدلاً من التذلل لحماس، حان الوقت أن يحترق لبنان كلّه». أمّا رئيس المعارضة، يائير لبيد، فهاجم الحكومة قائلاً إن «الشمال يحترق والردع الإسرائيلي يحترق معه أيضاً. لا توجد لدى الحكومة خطة لليوم التالي في غزة، ولا خطة لإعادة سكان الشمال، ولا إدارة ولا استراتيجية. إنها حكومة التخلي الكامل».