يشكّل نجاح الدفاع الجوي لحزب الله في إسقاط مّسيّرة «هرمز 900»، بعد نجاحات سابقة في هذا المجال، متغيّراً نوعياً في المعركة الدائرة منذ نحو ثمانية أشهر. لذلك فإن قراءة رسائله وتقدير مؤشراته يستوجبان النظر إليه باعتباره محطة في مسار متواصل ومتصل بما قبله وما بعده، في المجالين الجويين اللبناني و«الإسرائيلي».إذا كانت أجهزة العدو قد قدَّرت قبل الحرب أن لدى حزب الله قدرات دفاع جوي ومُسيّرات، فإنها كانت تراهن على أن تطور المُسيّرات والدفاع الجوي الإسرائيلي كفيلان بتعطيل مفاعيل قدرات الحزب، وهو ما برز في الأسابيع الأولى من الحرب، عندما تبجّح مسؤولو العدو وخبراؤه بالسيطرة على المجال الجوي اللبناني واستمرارها إلى ما بعد الحرب.


لذلك فإن الإسقاط المتكرر للمُسيّرات الإسرائيلية الأكثر تطوراً، واستمرار الحزب في تنفيذ عمليات ناجحة بالمُسيّرات، شكّلا مفاجأة لقيادة العدو وأجهزته الاستخبارية والعملياتية، خصوصاً أن المعركة تدور في «المجال الجوي» الذي لم يكن يرى العدو منافساً جدياً له فيه. وأحدثت هذه المفاجأة فارقاً في مجرى العمليات وتقويمها.
بتعبير آخر، تحوَّل المجالان الجويان اللبناني و«الإسرائيلي» إلى ساحة استهداف ومواجهة بين سلاح المُسيّرات والدفاع الجوي للمقاومة، ومنظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي، بعدما كان العدو احتكر هذه المجالات منذ تأسيسه.
مع ذلك، ينبغي عدم إغفال حقيقتين أساسيتين. الأولى، الفارق الهائل بين قدرات الطرفين لمصلحة العدو الذي يمكّنه من شن الكثير من الاعتداءات. والثاني، أن العمليات التي ينفذها حزب الله في الاعتراض والدفاع والهجوم عبر المُسيّرات، لم تخرج عن كونها نشاطاً عملياتياً لحركة مقاومة في مواجهة جيش قوة إقليمية عظمى. إلا أن حزب الله نجح في أن يشكل خطراً جدياً على سلاح المُسيّرات بما فيها الأكثر تطوراً، وفي فرض قيود جدية على الهامش العملياتي على هذا السلاح.
على هذه الخلفية، اضطرت قيادة سلاح الجو في جيش العدو إلى تقليص نشاطاتها الاستخباراتية والعملياتية لجهة النطاق الجغرافي والوتيرة، وشمل ذلك التكتيكات الجوية بشكل لافت، إذ اعتمدت قيادة سلاح الجو معادلة مُحدَّدة لتقليص المخاطر، ومفادها أنه كلما ارتفعت المخاطر على المُسيّرات وجب تقليص نشاطها الاستخباري والعملياتي، وإذا ما فرضت الضرورة نشاطاً محدداً يتم استخدام أحدث النماذج التي يملكها. ومع ذلك، نجح حزب الله حتى الآن في مفاجأة العدو عبر استهداف أحدث هذه النماذج وإسقاطها.
وعلى مستوى المبادرة والهجوم، شكَّل نجاح مُسيّرات حزب الله في تجاوز منظومات الدفاع الجوي، إلى حد كبير، متغيّراً عملياتياً وفّر للحزب مسحاً استطلاعياً للأهداف الاستراتيجية والتكتيكية ومواكبة محاولات التضليل التي يعمد إليها جيش العدو، ما أتاح للمقاومة تحديث بنك أهدافها وتوظيف ذلك في عمليات نوعية وتكتيكية طاولت مروحة من الأهداف على مسافات متفاوتة في شمال فلسطين المحتلة.
بعد الحرب سيكون العدو مضطراً إلى أن يأخذ في الحسبان أن حزب الله قد يذهب في ردوده إلى السقوف التي بلغها في المعارك الحالية


إلا أن أكثر ما يثير مخاوف جيش العدو إدراكه أنه يزجّ بأقصى ما يمتلكه من قدرات متطورة، فيما لا يزال حزب الله حتى الآن يستخدم قدراً محدوداً من قدراته كمّاً ونوعاً. ويعود ذلك إلى كونه جزءاً أساسياً من عقيدته العسكرية نتيجة الهوة الكبيرة في موازين القوى، وإلى أن هذه الجولة ليست المعركة الأخيرة بين الطرفين. ومع ذلك، نجح الحزب في تحقيق إنجازات ستكون لها مفاعيلها أيضاً في مرحلة ما بعد الحرب لجهة تقييد النشاط الاستخباري والعملياتي للمُسيّرات، وفرض معادلات قد يشمل نطاقها مجالات لا تتصدَّر العناوين حتى الآن، استناداً إلى السقوف العملياتية التي حدّدتها الجولة الحالية من المعركة، بمعنى أن العدو سيكون مضطراً إلى أن يأخذ في الحسبان أن حزب الله قد يذهب في ردوده ورسائله العملياتية إلى السقوف التي شهدتها المعارك الحالية حتى الآن.
في الخلاصة، شكَّلت إنجازات المقاومة في الدفاع الجوي وسلاح المُسيّرات، ارتقاء نوعياً في مستويات المواجهة مع كيان العدو. بعدما كان العدو يحتكر هذه المجالات فيما المقاومة تملك هامشاً عملياتياً محدّداً على الأرض وتحتها. لذلك فإن المؤشر الأشد خطورة في هذه الجولة، من منظور العدو، أن ما كشفته المقاومة والإنجازات التي حقّقتها ليس ذلك إلا محطة تأسيسية في مسار تصاعدي، قد تكون وتيرة تطوره أسرع مما شهدته المقاومة في تطور القدرات الأخرى التي احتاجت إلى سنوات طويلة نسبياً.