رغم اقتراب موعد انتخابات «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى» الأحد، لا يزال المشهد في الشمال لاختيار 7 أعضاء مشوّشاً، مع ارتفاع عدد المرشّحين إلى 19، بعد إبطال اللجنة القضائيّة ثلاثة ترشيحات لعدم تلبية أصحابها المعايير المطلوبة، وانسحاب رابعٍ من المعركة.عدم وضوح الانتخابات مردّه إلى عدم إعلان أيّ طرف تشكيل لائحة مكتملة، وإن كان البعض يشير إلى نواة لائحة يتم تحضيرها وقد يعلن عنها خلال ساعات، مدعومة من النواب: فيصل كرامي وجهاد الصمد وأحمد الخير و«تيّار المستقبل»، وتضم: بلال بركة وأحمد الأمين من طرابلس، أسامة طراد والشّيخ أمير رعد من الضنّية، والشيخ فايز سيف من المنية، من دون حسم إمكانيّة استكمال اللائحة أو ترك مقعدين شاغرين. وسبق الحديث عن هذه اللائحة اجتماع لأعضاء الهيئة الناخبة في الضنّية أدى إلى انسحاب المرشّح رياض عثمان وإعلان غالبيّة الهيئة دعمها لطراد ورعد.
وإذا كانت اللائحة لم يُعلن عنها بعد، إلا أنّ منافسيها ينتظرون تشكيلها لـ«الانقضاض»، وتختلط في ذلك الحسابات السياسيّة بالـ«مشيخيّة». أوّل المُنافسين في السياسة، هما: النائبان أشرف ريفي وإيهاب مطر، يُضاف إليهما عدد من المشايخ، يتقدمهم رئيس المحكمة الشّرعية السنّية في طرابلس الشيخ سمير كمال الدين وخطيب «مسجد السّلام» الشيخ بلال بارودي، إذ يُريد المشايخ معركة تصفية حسابات مع مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمّد إمام إثر خسارتهم في انتخابات الإفتاء السنة الماضية، من دون أن يقنعهم ما يردده أمام زوّاره بأنّه لا يتبنّى أي مرشّح، بل هو «على علاقة جيّدة مع جميع المرشّحين»، ولـ«المفتي سوابق في دفع مقرّبين منه للترشّح».
هذه الشرذمة دفعت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى إعلانه الوقوف على الحياد، في موقف يكاد يكون سابقة بالنسبة إلى رئيس حكومة عامل، علماً أنه شارك في الانتخابات الماضية بدعمه ترشيح نسيبه عبد الإله ميقاتي (توفّي قبل عامين). ورغم أن البعض يلفت إلى إمكانيّة أن يُبدّل ميقاتي موقفه الرافض الانخراط في المعركة إثر عودته من عمّان أو حتّى خوضها من تحت الطّاولة، يؤكد مقرّبون منه «علاقته الجيّدة مع كل المرشّحين وإن بنسب مختلفة، وبالتالي لن يُحرّك ماكينته الانتخابيّة لدعم مرشّح على حساب آخر»، مشدّدين في الوقت عينه على أنّ هذا الموقف قد يتغيّر «لنُشارك في المعركة ترشيحاً وانتخاباً إذا نجح التوافق في الوصول إلى لائحة مُشتركة من ائتلافٍ من القوى السياسية والدينيّة ندعمها ولا نكون خارجها».
المستقبل ينسّق مع ميقاتي وكرامي والصمد في وجه ريفي


في المقابل، دخل «المستقبل» بثقله إلى المعركة غير آبه بقرار رئيسه سعد الحريري تعليق عمله السياسي، على اعتبار أنّه «يجوز» المُشاركة في انتخابات «الشرعي» كما المُشاركة في الانتخابات النقابية لكوْنها «مشاركة وطنية وليست سياسية»، بحسب أحد القياديين. ويُكثّف النائب السابق سمير الجسر والأمين العام لـ«المستقبل» أحمد الحريري اتصالاتهما مع القوى السياسيّة الحليفة، وحتّى مع الخصوم كالنوّاب: كرامي والصّمد والخير، مع تنسيق ظاهر مع ميقاتي، إضافة إلى اتصالات مع أعضاء الهيئة النّاخبة، لبلورة اللائحة التي يجري العمل على تشكيلها.
همّة «المستقبل» تصطدم بخلافاته الدّاخليّة، بعدما حوّلته المعركة إلى تيّارات منقسمة على نفسها إثر الاختلاف في وجهات النّظر بين القياديين في التيّار وعدم نجاحه في ضبط ساحته، ما أدى إلى ارتفاع عدد المرشحين المحسوبين عليه، وهو ما قد يُفضي إلى خسارة محتّمة لـ«الزرق» في أبرز معاقلهم السنيّة التاريخيّة، علماً أنّ التيار يدعم رسمياً بركة وطراد وسيف.



توزيع مناطقي غير متوازن
تتألف الهيئة النّاخبة، التي تنتخب أعضاء «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى» في دائرة طرابلس والشّمال، من 134 عضواً: 59 من علماء الدين والمشايخ (44 في المئة)، و76 من المدنيين (56 في المئة)، موزّعين على أقضية: طرابلس، المنية - الضنيّة، الكورة، زغرتا والبترون.
ومع أنّ المرسوم 18 الذي يُنظّم أمور دار الفتوى لا يلحظ توزيع الأعضاء السّبعة على هذه الأقضية، جرت العادة أن تكون غالبيّة الأعضاء من طرابلس، قبل أن تغيّر فاعليات المنية - الضنيّة قواعد اللعبة في الدورتين السابقتين، وأمّنت بذلك وصول 3 أعضاء منها (2 من الضنية و1 من المنية). في حين بقيت الأقليّات السنيّة في أقضية الكورة وزغرتا والبترون بلا تمثيل، باستثناء عضو يعيّنه مفتي الجمهوريّة عادةً.
هذا التهميش دفع كثيرين إلى المُطالبة بإدخال تعديلات على المرسوم 18 لرفع عدد أعضاء «الشرعي»، بطريقة تضمن تمثيل أبناء الطائفة كلهم على نحو متوازن، مع تحديد حصّة كلّ قضاء ومنطقة بشكل حاسم. إلا أنّ هذه المطالب كلّها، التي تُرجمت في مشاريع قوانين، بقيت منسيّة في أدراج المسؤولين.
وفي سياق متصل، من المنتظر أن يُعيّن المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان النائبَ السّابق سمير الجسر نائباً لرئيس المجلس، خلفاً للوزير السّابق عمر مسقاوي، بعدما جرت العادة أن يكون هذا المنصب من حصّة المدنيين الطرابلسيين.


عكّار: إخفاق مساعي التزكية
رغم كبر حجم محافظة عكّار، التي تتألف هيئتها الناخبة في انتخابات «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى» من 168 عضواً، إلا أنّ القانون أبقى على تخصيصها بمقعدٍ واحد في المجلس، يُضاف إليه مقعد ثانٍ لمدنيّ يُعينه مفتي الجمهوريّة. «غياب العدالة» عن عكّار، وفق توصيف أبنائها، دفعهم إلى المُطالبة بزيادة عدد الأعضاء إلى 5 على الأقل، لكوْن التنافس على مقعدٍ واحد في كل دورة يتحوّل إلى صراعٍ محموم بين المرشّحين والقوى السياسية التي تدعمهم.
ولعدم تكرار هذا الأمر، ألّف المعنيون لجنة خاصة، مهمتها التواصل مع المرشحين لتأمين انسحاب 4 من الخمسة، وهم: كفاح الكسّار، نزار قاسم، محمد حافظة، سامر خزغل ووسيم المرعبي، بهدف إعلان الفوز بالتزكية، إلا أنّ أحداً من المرشحين لم يقبل الانسحاب، ما جعل الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، الأحد المقبل، الخيار الوحيد.