أولاً، هذا المجلس:السؤال الرئيسي: هل يمثّل هذا المجلس اللبنانيين فعلاً أم أنه قاصر عن ذلك؟ نقول في هذا الصدد:
1- الناخب الرئيسي في انتخابات 2022 كان الأمير محمد بن سلمان، الذي حظر على تيار المستقبل العمل السياسي بطريقة لم تحدث سابقاً في تاريخ لبنان. أتاح خروج التيار من الانتخابات لكثيرين دخول الندوة البرلمانية. لكن، من المؤكد أن عدد نواب كتلة المستقبل، لو شاركوا في الانتخابات، ما كان ليقلّ كثيراً عن 20 نائباً. وبالتالي، سيكون انتخاب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية محسوماً، من حيث المبدأ، باعتبار الموقف الإيجابي لتيار المستقبل من فرنجية كما بدا في الانتخابات الماضية. فأين دعاة السيادة والاستقلال من ذلك؟ هذا على سبيل المثال فقط.
اليوم، يخطو الأمير محمد بن سلمان خطوات جادة في مواجهة السياسة الأميركية في المنطقة، لا تخفى على أحد، فماذا لو غيّر رأيه في ما يتعلق بعودة تيار المستقبل إلى العمل السياسي؟ وماذا لو تدخّل موجّهاً بعض النواب في الاتجاه الصحيح؟
2- لا شك في أن قانون الانتخاب وفق القاعدة النسبية أفضل من غيره، لكنه يساهم أيضاً - في مكان ما - في التشويه، إذ هناك خمسة نواب، على الأقل، نجحوا بأصوات اللوائح وليس وفق الحواصل الخاصة، ما من شأنه أن يغيّر الأكثرية في المجلس.
3- المناصفة باتت أمراً مسلّماً، يقرّ به اللبنانيون ويعتبرونه من ضرورات الحياة السياسية اللبنانية. وقد أكد ذلك الرئيس رفيق الحريري، رحمه الله، في كلمته المشهورة: «أوقفنا العدّ». لكن هذا لا يمنع أن نطلب من الأقلية العددية التواضع قليلاً، وأن تعتبر هذا التمثيل نتيجة إرادة وطنية وليس نتيجة حقائق.
4- لا تخفى على أحد قدرة جهات خارجية متعددة على التأثير في أصوات النواب، وخصوصاً في انتخاب الرئيس.
5- لو أن انتخاب الرئيس يتمّ من الشعب مباشرة لكانت النتيجة واضحة.

ثانياً، 17 تشرين:
يتعامل البعض مع 17 تشرين كأنه ثورة حقيقية، فيما الواقع يؤكد أنه ردة فعل، لم ينتج منها برنامج عمل ولا رؤية واضحة، بل إنها ساهمت في تشويه المشهد السياسي من خلال شعارها الأشهر «كلّن يعني كلّن». ومن دون الدخول في تفاصيل أخرى، فإن نتيجة حراك 17 تشرين كانت الفوضى فقط، ولم يكن هذا الحراك مؤهلاً لأن يحقق أيّ خطوة نحو الأمام. كما أن الخطر الأكبر لحراك 17 تشرين هو تشويه الحقيقة. فقد خلت شعاراته من أي إشارة للدور الأميركي الإقليمي في حصار الاقتصاد اللبناني، رغم أن الأميركي أعلن مراراً وتكرارا ًأنه سيحاصر اللبنانيين لإحراج حزب الله أو إخراجه من الحياة السياسية.
إن تحميل الفساد فقط مسؤولية ما وصل إليه الاقتصاد اللبناني، تشويه حقيقي وتضليل للرأي العام. وللأسف، يُبنى على هذا التشويه كثير من السياسات والمواقف.
باختصار، شعار «مبادئ» ثورة تشرين يثير السخرية من جهة، والألم على مطلقيه من جهة أخرى.

ثالثاً، الشعارات:
رُفعت شعارات فضفاضة لا تعبّر عن الواقع، على رأسها السيادة، فيما لا يقيم السياديون المفترضون أيّ وزن لما قدّمه حزب الله من تحرير الأرض والإرادة اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته المستمرة، ويتعامون عن التدخل الأميركي وبعض التدخل العربي كأمر مسلّم به، لا يخدش السيادة ولا يؤثر في مجرى الأمور. كما لم نسمع أيّ تعليق من «السياديّين» على المواجهة التي حصلت مع العدو الإسرائيلي في كفرشوبا أخيراً. هذا على سبيل المثال.

رابعاً، الفساد:
بالتأكيد، لم ينجح حزب الله في السياسة الداخلية نجاحه في المقاومة. لكنه، بالتأكيد، لا يكذب ولا يعتمد أسلوب المصلحة، ولا يطلب ثمناً لما قدمه للبنان، ومن المفترض أن يحترم الجميع دوره حتى لو كانوا يخالفونه في النظرة السياسية. ونؤكد في هذا الصدد أن التحامل على حزب الله هو في غالبيته إملاء خارجي، وليس نتيجة بحث حقيقي عن المصلحة اللبنانية.
وفي أي حال من الأحوال، هل يتساوى الذي حرّر مع من تعاون مع المحتل، وهل يتساوى من قدّم للوطن مع الذي نهبه وسرقه وتعامل معه كمزرعة أو كبقرة حلوب؟ ثم أين الذين يطالبون حزب الله بخوض معركة الفساد من هذه المعركة المفترضة؟

خامساً، الأنانيات:
في «معركة» 14 حزيران، كان الجانب الشخصي والأناني واضحاً، وكذلك الكيدية السياسية. من تحالفوا وتقاطعوا على دعم جهاد أزعور، فعلوا ذلك بدوافع شخصية وأنانية وكيدية، وخاصةً جبران باسيل الذي يزعم أنه اختلف مع حزب الله على بناء الدولة. والسؤال يوجّه إليه: أعطنا مثلاً واحداً يثبت أنك سعيت أو خطوت خطوة واحدة في اتجاه بناء دولة؟ كل ما فعلته في كل المسؤوليات التي اضطلعت بها إنما هو بدافع المصلحة الشخصية والحزبية الضيقة، ولم تشعرنا يوماً، ولو من بعيد، بأنك تريد بناء الدولة...