«إعلام صغير، ثورة كبيرة» (Small media, Big revolution)، هو عنوان كتاب نُشر عام 1994، يتحدث عن ظاهرة أشرطة الكاسيت التي حملت أفكار الإمام الخميني وصوته إلى الإيرانيين، وأدّت إلى انفجار الثورة في وجه سيطرة نظام الشاه وانتصارها. ويبدو أن الاستعمار لم ينسَ (ولن) ينسى هذه الصفعة، ويريد أن يردّ الصاع بثورة مضادّة بتوظيف الإعلام الصغير، من باب «وداوِها بالتي كانت هي الداءُ»، وعبر فسيفساء من المنصات والمبادرات والمشاريع التي لا تقف وراءها أفكار كبرى كتلك التي فجّرت الثورة الإيرانية، وإنما أجهزة استخبارات ودول كبرى. Small media منظمة إعلامية حقوقية تعمل في النشر وإعداد الأبحاث والتقارير والتنسيق والتشبيك لبناء «مجتمع مدني متمكّن»، انبثقت منها ثماني منظمات/مشاريع فرعية، يديرها عاملون في المنظمة الأم، من بينها ثلاث لها شبكات شراكة واسعة في العالم الثالث، وهي: Advocacy Assembly التي تضم 24 شريكاً، و Data for Change ولها 30 شريكاً وتنتشر في 91 دولة ودرّبت 52 منظمة أخرى، وUproar التي تتشارك مع 62 منظمة في العالم الثالث وتنسّق مع تكتلات محلية للمنظمات غير الحكومية في دول الجنوب.
في المجال الإعلامي المباشر، تقف Small Media وراء كل من Iran Wire و Journalism is not a crime، وكلتاهما متخصّصتان بالشأن الإعلامي الذي يتعلق بإيران. الأولى منصة إعلامية معارضة والثانية منظمة تنشر ادّعاءات حول انتهاكات الدولة الإيرانية لحقوق الصحافيين. كما أنشأت Small Media منصة Iran Prison Atlas كـ «مرجع توثيقي» لما تزعمه من انتهاكات واعتقالات سياسية في السجون الإيرانية، بالشراكة مع منظمة «متحدون من أجل إيران»، العضو في تكتل Impact Iran المتمركز في أميركا، الدولة التي تملك أعلى عدد من السجناء في العالم نسبة إلى عدد السكان!
وهناك أيضاً مشروع Iran Open Data، وهو منصة تنشر أي وثائق رسمية ممكنة حول الشؤون الإيرانية الداخلية، من تعداد السكان الى المحاصيل الزراعية وقوانين البناء وكل ما يخطر في البال. وقد يكون Filter Watch من أكبر المشاريع، وهو منصة تعمل على توثيق ودراسة الواقع السيبراني في إيران من كل النواحي: القوانين، الأداء، الفرص ومجالات الاختراق، التطبيقات الجديدة ومدى نجاحها، وهناك شراكات مع برامج «صندوق التكنولوجيا المفتوحة» التابع للحكومة الأميركية، والذي يموّل مشاريع تطبيقات محادثة وإنترنت بديل وبنية تحتية لتجاوز الحواجز الوطنية للإنترنت في الدول المستهدفة وعلى رأسها إيران (دعونا لا ننسى، هنا، كيف تتعامل أميركا مع تطبيق «تيك توك» كتهديد للأمن القومي). ولا تقتصر الشراكة على المشاريع، بل إن هناك باباً دواراً للخبراء والموظفين بينهما.
كما تقيم Small Media نشاطاً تدريبياً في مختلف مجالات عملها تحت عنوان Open and shut forum، وفيه تحتل قضايا حرية الإنترنت وتدفّق المعلومات محوراً مركزياً. وتزعم أنها تهدف إلى دعم دفق المعلومات الحر في المجتمعات المغلقة سياسياً. وكان مديرها محمود عناية صرّح عن الهدف وراء هذا «الدّفق الحر»، في تقرير عن الرقابة الإيرانية على الإنترنت عام 2011، بالقول «إن الانتفاضات الراهنة عبر الشرق الأوسط أكدت مجدداً على الدور الذي يلعبه الإنترنت في تنشئة التغيير الاجتماعي والسياسي». وفي أحدث تقرير للمنظمة بعنوان «الفوضى والسيطرة» نقرأ من الافتتاحية: «الدولة، كما يصرّ علماء السياسة، لا تزال مزوّداً فعّالاً للحوكمة العامة ولا تزال مؤسّسة بالغة القوة. لكنّ هناك توتراً قوياً ومستمراً بين سيادة الدولة، وهو أمر محدد أرضياً\ترابياً والفضاء اللا-أرضي للتفاعل الاجتماعي الذي خلقته شبكات الكمبيوتر».
إذاً، من الآمن لنا القول إن الهدف المعلن لحرية الإنترنت هذه هو اختراق سيادة الدول وإحداث التغييرات السياسية المرجوّة فيها، إذ تمثل حرية الإنترنت لدى الغرب حصان طروادة الأخير في الدول التي لا تعمل فيها المنظمات الأجنبية بشكل مباشر على الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، تصدر Small Media عدداً كبيراً من التقارير حول حقوق الأقليات الدينية والإثنية والحريات الجنسانية وحقوق المرأة والطفل وحقوق العمال ورصد المزاج العام والتقارير الانتخابية وأخرى حول مختلف القوانين الإيرانية في قضايا النشر والانتخاب وغيرهما من المواضيع. واللافت هنا أن شخصين يقفان وراء غالبية هذه الملفات على تنوع تخصصاتها الموضوعية (يبدو أن التخصص الحقيقي هنا هو العداء لإيران)، وهما غربيان لا يقيمان داخل إيران،: جيمس ميرشانت المسؤول عن منصة Filter Watch والعضو المشارك في «صندوق التكنولوجيا المفتوحة»، وبرانين روبرتسون المؤسّسة المشاركة في منصة Data for Change.
بالنظر إلى الشبكة الواسعة التي تديرها منظمة Small Media، يمكن تلمّس طريقة صناعة الحدث داخل إيران ليتم استغلاله دولياً. والحدث هنا لا يبدأ من الأرض بل من الخارج. فهذه الصحافة الجديدة والصغيرة صناعة استعمارية، وهي المضادّ المكافئ لمثال «ويكيليكس» ومؤسسها جوليان أسانج، المختطف بتواطؤ أميركي - بريطاني.
في الختام تجدر الإشارة إلى سيرة محمود عناية، مؤسّس Small Media وخيط الوصل الرفيع المعلن بين كل من BBC ومنظمتها BBC Action Media وشبكة المنظمات الدولية الضاغطة على إيران. قبل أن يؤسس عناية منظمته، تتلمذ في BBC، وتخصّص في الشأن الإيراني. وهو اليوم يترأس قناة «إيران انترناشونال»، ويبث السموم ذاتها التي تميز العمل الاستخباري البريطاني الكلاسيكي من اختراع أقليات من كل شكل ولون ودعمها، وتطوير آليات اختراق اجتماعي.