بحسب الظاهر وغير الظاهر من الأحداث والاتصالات والمشاورات، يبدو أن شهر رمضان المقبل سيكون مناسبة لإشهار مستوى جديد أكثر فعالية للتنسيق بين قوى المقاومة في كل المنطقة. وهي فعالية تيقن العدو من نجاحها خلال معركة سيف القدس التي شهدت تنسيقاً، هو الأول من نوعه، بين قوى المقاومة داخل فلسطين وخارجها، سمح بإنجازات كبيرة. كان العدو أول من لمس هذا التحول. لذلك، فإنه يخشى توسع الأعمال الفدائية في الأسابيع المقبلة ربطاً بمؤشرات كثيرة.وقبل الحديث عن التحديات الكبيرة التي تواجه العدو، تنبغي الإشارة إلى المواقف التي أطلقها قادة المقاومة أخيراً حول وحدة الساحات، وهي تعبير عن حقيقة ما يجري الإعداد له منذ وقت غير قصير، وهدفه الارتقاء بالفعل المقاوم داخل فلسطين إلى مستوى يفتح الباب أمام انتفاضة شاملة، تفتح بدورها الباب أمام خطوات ذات طابع استراتيجي يدرسها قادة محور المقاومة.
وفيما تلجأ كثير من القوى والدول، في بعض الأحيان، إلى عمليات خارج الحدود لتصدير أزمات داخلية، لا تحتاج قوى المقاومة إلى حافزية لتوسيع دائرة الاشتباك مع العدو على كل الجبهات. لكنها تدرك أن العمل المباشر والنوعي على كامل مساحة فلسطين التاريخية، يمثل نقطة الانطلاق لمشروع التحرير الكامل. وهو مشروع لم يعد عنواناً لأوراق تلقى كخطابات ثم تهمل في الأدراج وخزائن الأرشيف. وهنا، يُنصح بحفظ العبارات التي وردت على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أخيراً وفيها: «نضمّ صوتنا إلى صوت المقاومة الفلسطينية بأن التعرّض للمقدّسات لن يفجّر الوضع في فلسطين فقط بل في كلّ المنطقة».
ما يميز شهر رمضان المقبل أنه يصادف في ظل حكومة مجنونة في إسرائيل، تعتمد استراتيجية قائمة على إدراكها بأن خيار التسوية صار وهماً، وهو ما جعل العدو ينتقل من مرحلة إدارة النزاع المتفرق مع المقاومة في الضفة، إلى مرحلة البحث عن سبل حسم الصراع. والعدو، هنا، لا يعطي أهمية لكلام الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، كونه يلمس حجم التوسع في القاعدة الشعبية المؤيدة لخيار المقاومة، وهو ما تعكسه المساهمات غير المتوقعة لشباب ونساء في عمليات بطولية.
وفي رمضان، تتقاطع مناسبات يهودية وإسلامية، تتعلق بالمسجد الأقصى، ويحشد كل طرف جماهيرياً كجزء من الطقوس في بقعة من الأرض أظهرت الأيام أنها تمثل العامل الأكبر لتفجير الساحة الفلسطينية. لكن العدو، هذه المرة، يرفع مستوى اليقظة، كونه تحدي رمضان يأتي متزامناً مع انفجار الأزمة الداخلية في كيان الاحتلال بصورة غير مسبوقة، وسط تصاعد المخاطر الإقليمية على إسرائيل، خصوصاً من جانب إيران والجبهة الشمالية.
ولا يقتصر ذلك على العدو فقط. فالولايات المتحدة تبدو أكثر من يخشى سيناريو الانفجار الكبير، لأن في ذلك ما يهدد برامجها في الإقليم، وهو ما يجعلها تمارس ضغوطاً كبيرة، سواء في العقبة أو شرم الشيخ أو خارجهما، في محاولة لوقف ما تسميه التصعيد. وأميركا التي تضغط على الفلسطينيين والعرب، تمارس أيضاً الضغط على الحكومة المجنونة في إسرائيل كي لا ترتكب حماقات تكون مدخلاً لانفجار صراع قد لا ينحصر في ساحته الرئيسية، أي فلسطين، بل قد يتطور إلى ما هو أبعد.
لكن، أي استراتيجية يفكر فيها العدو؟
تنسيق مختلف بين قوى المقاومة يفتح الباب أمام مرحلة قد توسع جبهات القتال مع العدو


أمس، كان بنيامين نتنياهو شديد الوضوح في حديثه أمام الحكومة حول «ثلاثة أنواع من الكفاح الذي نخوضه: مكافحة النووي الإيراني، ومكافحة الإرهاب، والكفاح ضد الفوضى» في الداخل. وما قصده «بيبي» هو وضع العناوين الثلاثة في سياق واحد، إذ ربط بين مواجهة قوى المقاومة، خصوصاً بعد عملية مجدو، وبين أولوية مكافحة تقدم البرنامج النووي الإيراني، وبين مواجهة الحراك الداخلي المعارض لنهج حكومته، حتى أنه وضع التحدي الأخير في موقع اتهام خصومه الداخليين بعرقلة خطط إسرائيل لمواجهة المقاومة وإيران.
صحيح أن عملية اغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي علي الأسود في دمشق تمثل امتداداً متوقعاً لنشاط العدو ضد المقاومة خارج فلسطين، إلا أن توقيتها ومكانها يعكسان من جهة حاجة إسرائيل لتعزيز صورتها الردعية. فهي نفذت عملية أمنية معقدة باحتراف كبير، وداخل عاصمة معادية، بمسافة زمنية غير بعيدة عن تفجير مجدو. لكن اختيار الهدف، كما ساحة سوريا التي لها معادلاتها القائمة حتى الآن، يشير إلى أن العدو لا يستهدف التصعيد غير المضبوط. وإنما أراد من خلال هذه العملية، القول إنه لا يمكنه السكوت عن النقلة النوعية من خلال عملية مجدو، لكنه يقر بأن الوقت لا يسمح بشن حرب من نوع مختلف. وهذا يعني أن عليه العمل وفق قواعد الاشتباك المقبولة من الجميع.
ورغم أن العدو يكثر من اتهاماته لحزب الله، إلا أنه يعرف أن الفعل العملياتي في لبنان، يتطلب حسابات مختلفة وشديدة الصعوبة. وحتى لو كانت ساحتنا تشهد اختراقات أمنية كبيرة، سمحت بإقدام العدو على تنفيذ عمليات بقي غالبها خارج التداول، إلا أن التحدي الذي رافق عملية مجدو، جعل العدو في موقع الباحث عن صيغة تعطل الدعم المفترض من قبل حزب الله للمقاومين في فلسطين من دون الذهاب إلى حرب واسعة، وهو الذي يقر بأن الحزب مستعد لمواجهة كبيرة. لذلك يعمد العدو إلى التهويل من خلال تسريب معلومات عن وحدات خاصة لدى حزب الله تعمل في فلسطين، وعن تشكيلات عسكرية لحماس والجهاد تعمل بالتنسيق مع الحزب، وهو كمن يريد توجيه الأنظار إلى لبنان وسوريا حيث يعتقد أنها منطلق العمل الداعم للمقاومين، خصوصاً عمليات نقل الأسلحة والأموال... وحتى المقاومين إلى داخل فلسطين.
يختلف المسلمون في ما يختلفون عليه، على تحديد اليوم الأول لشهر رمضان. وفي حال قرر المسلمون بطوائفهم المختلفة اعتناق المذهب الفلسطيني، كمذهب يضاف إلى مذاهبهم الكثيرة، فإن رمضان فلسطين، لا يحتاج إلى استهلال أو رؤية أو اختلاف في تحديد أول أيامه وعددها. في زمننا الحالي، يبدو أن الجميع ينتظر أياماً مختلفة في رمضان المقبل. وأول المتحسبين العدو الذي لا يصوم ساعة عن جرائم القتل والاغتيال.