طالت قصة مناقصة الفيول، لكن يبدو أن نهايتها صارت قريبة. قبل ذلك، كثرت الأسئلة عن السبب الفعلي للخلاف بين وزارة الطاقة وإدارة المناقصات؟ هل هو خلاف على تفسير قرار مجلس الوزراء فقط أم خلاف على وجهة المناقصة؟ هل حقاً المشكلة تتعلق بمبدأ عدالة الفرص بين الشركات المهتمّة بالمشاركة أم بالسعي إلى ضمان مشاركة شركات محددة؟ هل المطلوب التعاقد مع شركات كبيرة أم المطلوب إلغاء السمسرات؟ أسئلة لا تزال تُطرح على هامش النقاشات المتعلقة بمناقصة الفيول، لكن بحسب تطورات الأيام الأخيرة، فإنها لم تعد تشكل مانعاً لإطلاق المناقصة، التي تتفق وزارة الطاقة وإدارة المناقصات على أهميتها. فبالرغم من أن اللجوء إلى مناقصات Spot Cargo (مناقصة على شحنة واحدة) أسهم في استمرار إمدادات الفيول، وبالرغم مما يُقال عن أنها توفّر نحو مليوني دولار في الشهر، إلا أن خطورتها أنها لا تستطيع أن تؤمن الاستقرار المطلوب لقطاع الكهرباء. وبالتالي، فإنه لا بديل من عقد طويل الأمد لتأمين ثبات توريد الفيول.
(هيثم الموسوي)

منذ إقرار المناقصة في 19 آذار 2020، بدا واضحاً أن هاجس وزارة الطاقة هو عدم السماح بدخول وسطاء محليين في المناقصة. التعديلات العديدة على قرار مجلس الوزراء أرادت تثبيت هذا التوجّه. ولذلك، أزيلت، في 2 تموز، كلمة «وطنية» من القرار الذي سبق، لتقتصر المناقصة على الشركات العالمية. هنا بدا القرار غريباً. هل يمكن للحكومة أن تعلن صراحة إقصاء الشركات اللبنانية؟ ألا يعرّض استثناء كهذا أي مناقصة للطعن، لما تمثّله من ضرب لمبدأ تساوي الفرص؟ ذلك التساؤل لم يكن رئيس الحكومة بعيداً عنه. وبحسب وزير مهتم بالملف، سأل حسان دياب في تلك الجلسة: هل هذا يعني أن الشركة إذا كانت لبنانية لا يحق لها المشاركة؟ فأجابه وزير الطاقة ريمون غجر بالنفي، مؤكداً أنه يمكن للشركة اللبنانية أن تشارك إذا كانت لديها سمعة عالمية جيدة. عند هذا الحدّ، أقرّ التعديل في جلسة تموز. لكن هذا التعديل لم يكن له تفسير واحد. وزارة الطاقة اعتبرت أن القرار يحصر المشاركة بشركات دولية، بما فيها الوطنية التي تملكها الدول وتتمتع بخبرات واسعة في مجال التجارة بالنفط من دون وسيط ومن دون التلزيم من الباطن. وإدارة المناقصات اعتبرت أن القرار لا يحول دون مشاركة الشركات المحلية، حتى لو ضمن تحالفات مع الشركات العالمية، على اعتبار أن من الطبيعي أن يكون لهذه الشركات من يمثلها ويدير أعمالها في لبنان.
في محاولة لحسم الأمر، عرض وزير الطاقة الخلاف على رئاسة مجلس الوزراء، طالباً تفسير القرار. لكن لأن هذه الصلاحية محصورة بمجلس الوزراء مجتمعاً، اكتفى الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة بالإشارة، في كتابه الصادر في 3 شباط الجاري، إلى أن مداولات مجلس الوزراء توضّح أن المقصود بشركات النفط العالمية هو الشركات العالمية، لبنانية كانت أو غير لبنانية.
حتى ذلك التوضيح لم يقنع رئيس إدارة المناقصات جان علية باستبعاد الشركات اللبنانية، فأصدر بياناً يشير فيه إلى أنه «يطبق قرارات مجلس الوزراء بما يتفق مع أحكام القانون». طبعاً المقصود هنا ليس الشركات اللبنانية التي تحمل صفة العالمية، بل الشركات المحلية التي يمكن أن تكون وسيطاً أو شريكاً أو ممثلاً أو حليفاً لشركة عالمية. وهذا تحديداً ما رفضته وزارة الطاقة، التي سبق أن حرصت منذ القرار الأول لمجلس الوزراء على استبعاد الوسطاء. عملياً، الوساطة مباحة في القانون اللبناني، لكن المشكلة بحسب مصادر «الطاقة» أن الوزارة تخشى من أن يتم تركيب شراكات وهمية بين شركات عالمية وأخرى لبنانية، هدفها الدخول إلى المناقصة، بما يؤدي لاحقاً إلى تحوّل الشركة اللبنانية إلى المنفّذ الفعلي للعقد. ولذلك، المطلوب أن تشارك الشركة العالمية في المناقصة، وتكون مسؤولة وحدها أمام الدولة اللبنانية. وبعد ذلك، أي أثناء تنفيذ العقد، يحق لها، كما أي شركة عالمية تعمل في لبنان، أن تقرر إما تعيين وكيل لها أو افتتاح فرع لها، أو اعتماد أي طريقة تريد لتنفيذ أعمالها، مع التأكيد أن ذلك ليس إلزامياً، إذ يمكن أن تعمل مباشرة من دون الحاجة إلى الوجود في لبنان. وهذا ما تؤكده مصادر الوزارة، التي توضح أن عقود Spot Cargo تتم مع شركات عالمية مختلفة، وحتى لم يسبق أن تعاملت مع لبنان. وهذه الشركات، تكتفي بالطلب من الوكيل البحري الذي يخلّص المعاملات دفع الرسوم الواجبة. فالعقد ينص على إيصال الفيول إلى لبنان لا أكثر، ولا ينص، على سبيل المثال، على إنشاء تجهيزات على الأرض أو ما شابه، حيث يكون بديهياً عندها التعاقد مع شركات مقاولات لبنانية.
«الطاقة» و»المناقصات» تتفقان على منع التلزيم من الباطن


بناءً على كل المداولات السابقة، أرسلت وزارة الطاقة، في 18 شباط الجاري، ثلاثة دفاتر شروط إلى إدارة المناقصات لشراء ثلاثة أنواع من المحروقات (فيول أويل من النوعين A وB وغاز أويل). كما أرفقت هذه الدفاتر بكتاب توضّح فيه أنها عرضت، «بناءً لطلبكم»، موضوع تفسير حصر إشراك شركات نفط دولية في المناقصات المطلوبة على الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأكدت فيه أن الشركات التي يحق لها المشاركة، هي العالمية، لبنانية كانت أو عالمية. هذا الموقف تتراجع فيه عن المسودة التي كانت أعدّتها في تشرين الثاني الماضي، وفيها تأكيد أن المطلوب إشراك شركات نفط عملاقة دولية متعددة الجنسيات… تشكل عائداتها المالية ركناً من أركان اقتصاد الدول التي تنتمي إليها.
كذلك أوضحت الوزارة أن تجربتها في إطلاق المناقصات الفورية لتأمين حاجات كهرباء لبنان، قد بيّنت أن «الشركة العالمية ليست بحاجة إلى التعاقد أو التحالف مع أي شركة محلية، وإنما اكتفت فقط بالاستعانة بالوكيل البحري للناقلات البحرية لدفع الرسوم المتوجبة على التلزيم وعلى الشحنات».
وأشارت الوزارة إلى أن التحديد النهائي للكميات العقدية وجداول التسليم يتوقف على تحديد إدارة المناقصات لموعد إطلاق المناقصة.
بحسب المعلومات، فإن إدارة المناقصات أبدت تجاوبها مع طرح الوزارة. على اعتبار أنها ثبّتت إمكان مشاركة كل الشركات المستوفية الشروط في المناقصة، بغض النظر إن كانت لبنانية أو غير لبنانية.

كل الشركات التي تلتزم بالشروط المطلوبة يحق لها المشاركة


أما بالنسبة إلى الملاحظة التي كانت طرحتها «المناقصات» عن كيفية العمل في لبنان، إذا لم يكن لها وجود أو تمثيل في لبنان، فاقتنعت الإدارة برأي الوزارة لناحية عدم الحاجة إلى ذلك، لكنها أشارت إلى أنه يقع على الوزارة موجب إبلاغ وزارة المالية بأن هذه الشركات تعمل بصفة غير مقيم، مع التأكيد أن ذلك لا علاقة له بالمناقصة. وهذا يعني تجاوب عليّة مع رفض وزارة الطاقة اشتراك شركات محلية بالتحالف مع شركات عالمية، علماً بأن عليّة يؤكد أن الإدارة لا تتمسك بذلك، لكنها طرحته في معرض ضمان تنفيذ المناقصة، وإذا كانت الوزارة تعتبر أن وجود شركات عالمية غير ممثّلة في لبنان، لا يؤثّر على التنفيذ وعلى إمكانية تحصيل الرسوم المطلوبة، فلا مشكلة في ذلك.
عند هذا الحد تكون الطريق أمام المناقصة قد فتحت، لكن جان عليّة طلب قبل إعلان المناقصة أن يتضمن دفتر الشروط ما ورد في كتاب الوزارة، وكذلك مضمون كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء (يحق للشركات العالمية المشاركة، إن كانت لبنانية أو دولية)، بحيث يوضح الدفتر إمكان مشاركة أي شركة تعمل في تجارة النفط الدولية وتنطبق عليها شروط المناقصة، كأن يزيد حجم أعمالها على ملياري دولار (بعدما وافقت الوزارة على تخفيض المبلغ من 25 مليار دولار الذي اعتبرته المناقصات شرطاً تعجيزياً). وهو ما تشير المعلومات الأولية إلى أن الوزارة لم تعترض عليه، حيث يفترض أن لا تتأخر في إرسال النسخة الأخيرة من دفاتر الشروط، علماً بأن مصادرها أكدت أن الأمر انتهى، حيث توصّل الطرفان إلى صيغة وسطية.


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا