لن ينتظر رئيس الحكومة المُكلّف، سعد الحريري، تأليف الحكومة الجديدة ليبدأ العمل بجدول أعماله «التنفيذي». يُريد إعادة تعويم السياسات الاقتصادية والمالية التي أرسيت في عهد والده، رغم إدراكه أنّها أوصلت البلد إلى الانهيار. وما عمليات إنعاش المُستفيدين من النظام، إن كانوا مصرفيين أو رجال أعمال أو مقاولين أو سياسيين أو مُحتكرين، سوى تدمير لما تبقّى من بنية اجتماعية في البلد. النموّ الاقتصادي والاستقرار يوازيان، من وجهة نظر الحريري، المزيد من الاقتراض وجذب «ودائع ساخنة» لا تلبث أن تُسحب من القطاع المصرفي عند أول «صفّارة» تُطلق. يُريد برنامجاً مع صندوق النقد الدولي، يعتبره ممرّاً إلزامياً للمزيد من القروض إن كانت تلك التي أُقرّت في مؤتمر «باريس 4 ــــ سيدر»، أو أخرى يُراهن للحصول عليها من دول عربية. ولكن في الوقت عينه، يختلف الحريري ــــ وبقية «رفاقه» في «عالم المال» ــــ مع صندوق النقد حول أرقام خسائر مصرف لبنان والمصارف، ومن سيتحمّل مسؤولية تعويضها.
(هيثم الموسوي)

في هذه النقطة تحديداً، وُجهة نظر «الصندوق» عُبّر عنها في خطّة الإعفاء المالي التي أقرّتها حكومة حسّان دياب، وشاركت فيها شركة «لازار». الخطّة لم تكن «مثالية» وفيها سيئات جمّة، أخطرها إنشاء الصندوق السيادي لتشغيل أملاك الدولة وعقاراتها لتسديد جُزء من الخسائر، و«مُحاكاة» صندوق النقد في العديد من الإجراءات التي تطرب لها أذناه رغم انعكاساتها السلبية على المجتمع، لضمان الحصول على برنامج معه. ولكن يُسجّل لها أنّها المرّة الأولى في هذه الجمهورية، التي تُحدّد فيها المسؤوليات، ويُطلب من مصرف لبنان وأصحاب المصارف التجارية والمُساهمين فيها، الذين جنوا من الفوائد على الدين العام فوائد بقيمة 90 مليار دولار منذ التسعينيات، أن يُعوّضوا جزءاً من الخسائر التي تسبّبوا بها. الحريري ــــ المُساهم في مصارف وصديق المصرفيين والحامية السياسية لرياض سلامة ــــ هو نقيض هذه الصورة. مُجرّد وصوله إلى رئاسة الحكومة، مرّة جديدة، «انتصار» للفريق الذي يُمثّله، والذي يُخطّط لاستكمال عمله، كما في السابق، من خلال الخطة المالية ــــ الاقتصادية التي سيجري تبنّيها. انطلاقاً من هنا، تُفيد معلومات «الأخبار» بأنّ تواصلاً غير رسمي تمّ قبل قرابة الأسبوعين بين مُمثّلين عن صندوق النقد الدولي من جهة، وفريق الحريري الاقتصادي من جهة أخرى، من أجل البحث في إجراءات المرحلة المقبلة. وتؤكّد المصادر أنّ حديث فريق الحريري كان يتركّز حول إدخال تعديلات على «خطّة المصارف» المُعلنة من قبل جمعية المصارف، والتي تتمحور حول السطو على الأملاك العامة لتعويض خسائر أصحابها، وليس إعادة أموال المودعين التي «بُخّرت». في النسخة الأولى من «خطّة المصارف»، والتي نوقشت مع وفد صندوق النقد و«لازار» يومها، ورفضها كلاهما، مُطالبة بالحصول على ما قيمته 40 مليار دولار من أصول الدولة وعائداتها، مع اشتراط أن تكون عقارات (وكان هناك تركيز على أن تكون عقارات الواجهة البحرية) لا مؤسسات عامة. التعديل الذي يطرحه الحريري على صندوق النقد، بحسب المصادر، هو تخفيض المبلغ من 40 مليار دولار إلى 20 مليار دولار، «وتعود الدولة لتدفع سندات الدين بالعملات الأجنبية (يوروبوندز) ولا يُفرض أي خصم على سندات الخزينة». وتُضيف المصادر بأنّ ردّ صندوق النقد لم يكن إيجابياً تجاه طرح الحريري. فالصندوق لا يزال يشترط الاتفاق على الأرقام في لبنان قبل استئناف المفاوضات.
مصادر الحريري: ربّما تكون جمعيّة المصارف قد قدّمت خطّة غير منطقيّة تماماً


تبدأ مصادر الحريري حديثها بنفي حصول أيّ محادثات غير رسمية مع صندوق النقد: «هذه مؤسسة يُمنع عليها التواصل مع أحد إن لم يكن جهة رسمية، قد يحصل تواصل بين أفراد من الفريقين بحكم العلاقات الشخصية. وبغضّ النظر إذا نجح سعد الحريري في تأليف الحكومة أو لم ينجح، فصندوق النقد الدولي لن يقبل إعادة المفاوضات قبل أن تُوحّد الدولة أرقامها، فالتجربة السابقة لم تكن إيجابية وولّدت لديه الارتباك». بحكم العلاقات الشخصية، ألم تطرحوا عليهم تعديل «خطة المصارف»؟ تُجيب مصادر الحريري بأنّه «يوجد أيضاً خلاف حول الخطة التي طرحتها جمعية المصارف، وقد تكون لجأت عبرها إلى مقاربة غير منطقية تماماً للوضع والحلول المطروحة. الكلّ يُحاول رمي الكرة في ملعب الفريق الآخر. يجب أن نجد مُلتقى في الوسط». فحتى خطّة حكومة حسّان دياب، التي وافقت عليها «لازار» وكان صندوق النقد يُفاوض الدولة اللبنانية استناداً إليها، «لم تعد صالحة بعدما تبدّل الكثير من الأرقام في الأشهر الماضية، كسعر الصرف الذي يراوح بين 7000 و8000 ليرة في السوق السوداء، ومثلاً كانت الخطة تحتسب الاحتياجات التمويلية بقرابة الـ 28 مليار دولار.

فريق الرئيس المكلّف: خطّة حكومة دياب لم تعد صالحة بعد تغيّر الكثير من الأرقام

اليوم، أكيد باتت أدنى بكثير مع تغيّر نمط عيش اللبناني، وتغيّرت المعطيات على مستوى إيرادات الدولة...». التصوّر لـ«الحلّ» بات جاهزاً لدى سعد الحريري وفريقه الاقتصادي، والتواصل مُستمر مع بقية المعنيين لإنضاج خطّة، لن يكون من الصعوبة تكهّن عناوينها العريضة. القصة لا تنحصر بكتابة «الخطّة»، بل باختيار أدواتها التنفيذية. فبعدما رسم الحريري خطّاً عريضاً لحماية رياض سلامة، بدأ التسويق لأسماء في وزارة المالية «يرتاح» لها. معلومات «الأخبار» تُفيد بأنّ ثنائي سعد الحريري ــــ رياض سلامة، يُسوّق لدى رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، اسم مدير العمليات المالية في مصرف لبنان يوسف خليل ليكون هو وزير المالية الجديد، بعدما كان من أبرز العاملين على الهندسات المالية في الـ 2016، التي زادت أرباح المصارف الخاصة، وطُرح اسمه كـ«توافقي» خلال تكليف مصطفى أديب تأليف الحكومة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا