تجاوز وليد جنبلاط، بأشواط، مفهوم المُغامرة. ما يُبطِنه أشبَه بمقامرة جديدة. يُريد نفسه رقماً صعباً في الحرب والسلم، وفي زمَن إعادة رسم الخرائط. يشتدّ احتياجه إلى نصر من نوعٍ ما لاستعادة صورتِه المُلطخة. «تمسكَن» لانتفاضة تشرين الماضي، بينَما كانَ يحسِب التحولات في ساحة القوى العالمية... ويعتقد الآن أن فرصة ٢٠٠٥ قد عادَت.يومَ وقفَ على منبر ١٤ آذار لُمعاداة سوريا، لم تكُن كلمته الشهيرة آنذاك مُحضّراً لها. يقول العارفون إنه كتبها على درج المنصّة، حيث جلس الرئيس سعد الحريري مُصفقاً، ضاحكاً، مُستبشراً بالرجل «الصلب»، قبلَ أن «يقتاد» الرجلان نفسيهما مُجدداً إلى سوريا ويناما في عرينها. يومها، كانَ بين الموجودين على المنصة من هو مذهول من مغامرة غير محسوبة النتائج ولا محسومة الفوائد. السنوات التي تلتها بكل ما حملت من تقلبات جنبلاطية أكدت على أحقية الذهول.
يذهَب الإثنان اليوم إلى المقامرة سوياً من جديد. المقامرة بمصير بلد بأكمله شاركا معاً في تدميره، كونهما ركنين أساسيين من أركان النظام الطائفي. تعليقاً على حادثة المرفأ، التي تؤكد المعلومات حتى اللحظة أنها ليست سوى نتيجة طبيعية لهذا النظام، استفاقت المواقف دفعة واحدة وكأنها نتاج تعليمة واحدة، فجاءت صدى للحملة الغربية - الخليجية.
فتصريحات جنبلاط عن زلزال المرفأ لم يرمها خبط عشواء. طالبَ بـ«لجنة تحقيق دولية»، مُعتبراً أن الحكومة الحالية «معادية». لكن الموقِف المتقدّم للزعيم «الاشتراكي» وهو يُعلن، كـ«مُصلِح إجتماعي»، عدم ثقته بـ«العصابة الحاكمة» كان في فتح باب عداء جديد مع حزب الله، حينَ أكد أنه لن يستقيل من المجلِس النيابي، لئلا يفسَح المجال لمحور التيار العوني وحزب الله بالسيطرة على البرلمان!
يصطاد جنبلاط مُجدداً في الماء العكر، بعدَ أن خلد لسنوات طوال إلى ربط نزاع مع الحزب وتحييده عن المعركة مع «العهد».
هذا الموقِف ليسَ حصرياً بجنبلاط. قبله صرح الحريري بموقف شبيه، مستثنياً حزب الله من المعركة الآذارية الجديدة... حتى الساعة. لكن السؤال: هل تمهّد هذه الأرضية لجبهة معارضة جديدة قوامها «الإشتراكي» و«المستقبل» و«القوات»؟ وهل ستكون البلاد على موعد مع عراضة جديدة للمقامرين الثلاثة؟
هرولة جنبلاط إلى «بيت الوسط» يوم الإنفجار «للإطمئنان على الحريري» تطرَح علامات استفهام، وتعكِس مشروعاً لدى الرجل نام ولم يمُت، وهو مشروع استهداف المقاومة بأسلحة خارجية متى سنَح المجال لذلك.
لا شك في أن جنبلاط والحريري اليوم في ورطة. هما شركاء في المجزرة التي تعرضت لها بيروت وأهلها، ولهما أيادٍ مزروعة في المرفأ مثلهما مثل الآخرين من الطبقة السياسية التي تتقاسم الحصص في «مركز التجارة» الأكبر في لبنان. وربما يعتقد الحريري وجنبلاط أن استجلاب الوصاية الدولية بأشكال مختلفة إلى البلاد، وتوظيف الحدث في مشاريع سياسية، سيعفيهما من المسؤولية.
تنفي مصادر هذا الفريق وجود توجه الى تشكيل جبهة واحدة، لكن «الاتصالات قائمة والتنسيق قائم أيضاً لتحديد معالم المرحلة المقبلةوالعنوان الذي سيتصدّر المشهد». غيرَ أن ما يغيب عن بال هذا الفريق أن علم الإحتمالات واسع، وأن المرحلة المُقبلة قد تكون مفتوحة على تسويات تأتي لغير صالحهما كما حصل في السنوات الماضية، وربما ينتظر جنبلاط الكثير من الوقت على حافة النهر من دون أن تمُر جثث أعدائه، فيضطر إلى الإستدارة مُجدداً ومعه سعد الحريري.