إن سلوك الضباط والعناصر المكلفين بحماية وزارة الداخلية، يوم أول من أمس، يشير الى تطور واعد في التعامل مع المتظاهرين والمتظاهرات، كما أن تحرك الجيش والامن الداخلي لحماية تظاهرة تعرضت للرشق بالحجارة خلال اليوم نفسه في منطقة خندق الغميق يدل على نهج يختلف عن النهج الذي كانت تعتمده الوزيرة ريا الحسن، والذي عبّرت عنه بوضوح من خلال قولها لمحطة «سي أن أن» إن «الأمور السيئة تحدث»، وكأنها معفاة من مسؤولية حماية الناس.
وإن أي تقييم موضوعي لأداء قوى الأمن لا يكون من خلال نجاحها في فتح طريق بالقوة أو توصيل نائب الى مجلس النواب أو اعتقال شاب رمى حجراً تعبيراً عن غضبه، ولا يكون من خلال سبّ وتدفيش وضرب طلاب وأساتذة جامعات وعمال وأطباء وفلاحين يطالبون بحقوقهم، فهذا يضع الدولة في مواجهة جزء من شعبها، ويجعلها تظهر بشكل وحش كاسر يفرض سلطته بالسلاح والترهيب والضرب لا بقوة القانون والخدمة المحترفة.
أي تأهّب عسكري لقوى الأمن بوجه المتظاهرين السلميين يوتّر الأجواء ويوصل رسالة عداء وكراهية ما يزيد من غضب الناس
ولم نسمع حتى الآن بفتح أي تحقيق مسلكي وقضائي وبتوقيف الضباط والرتباء والعناصر الذين اعتدوا على الناس، بما في ذلك الصحافيون، خلال الأشهر الثلاثة الماضية. فهل ستعلن وزارة الداخلية عن ذلك تطبيقاً للقانون فوق كل اعتبار آخر، أم ان المعالجة السياسية التي يعتمدها الوزير فهمي تتعارض مع المعالجة القانونية؟
يقع مكتب المفتش العام لقوى الأمن الداخلي والضباط المعاونين له على بعد أمتار قليلة من مكتب الوزير فهمي، ويمكنه استدعاؤه وتوجيهه بفتح تحقيق مسلكي في أي شكوى، فهل فعل ذلك؟
وألا يكون مجدياً تكليف دوريات تفتيش ودوريات لجهاز الأمن العسكري بمراقبة كيفية تعامل ضباط قوى الأمن ورتبائها وعناصرها مع المواطنين والمواطنات خلال التظاهرات الشعبية الغاضبة، ورصد أي تجاوزات، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات المسلكية والقانونية بحق المخالفين؟
قد يشهد لبنان في الأسابيع والأشهر المقبلة تصاعداً في حدة الغضب الشعبي؛ ومع ارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر والحرمان قد تزيد وتيرة العنف. لذا، لا بد أن تتأهب المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من خلال التشدد في احترام القانون والأخلاق من قبل جميع عناصرها، لا من خلال استقدام مزيد من قنابل الغاز والهراوات وأدوات القمع والعنف. فالاحترام والانضباط هما أساس العمل المهني والاحتراف.
واجب تحييد قوى الأمن عن جميع الأطراف السياسية
خلال الأيام الفائتة، تمّ تجاوز قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي الذي يحظر حضور ضباط وعناصر قوى الأمن ومشاركتهم في أي اجتماع سياسي (المادة 160 من القانون 17/1990)، لكن لم يتّخذ أي إجراء بحق المخالفين بل أفادت وزارة الداخلية بأن هؤلاء الضباط كانوا قد حصلوا على إذن مسبق للمشاركة في «مناسبة وطنية». إن أساس الأسباب الموجبة التي اعتمدها المشرّع اللبناني لدى وضعه قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي هو إبعادها عن أي انحياز سياسي أو فئوي، ولحماية ضباطها وعناصرها من أي تأثير أو ضغط أو تعاطف مع فريق ضد فريق آخر. وبالتالي عدّ القانون أي مشاركة أو حضور للضباط لاجتماع سياسي من المحظورات.
إن حضور ضباط اجتماعاً سياسياً حزبياً في بيت الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، وحضور ضباط خطاباً سياسياً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في صفوف الجماهير، فهو من دون أي شك مخالف للقانون ولا يفترض أن يتكرر إذا كانت هذه الحكومة تحرص فعلاً على عمل المؤسسات وعلى منع انحياز الضباط لجهات سياسية.
وصحيح أن النفوذ في وحدات قوى الأمن موزع بالمحاصصة على القوى السياسية والطائفية، غير أن بإمكان الوزير فهمي جمع مجلس القيادة وتوجيه العمداء قادة الوحدات بالانصياع فقط لما يقتضيه القانون الذي ينصّ بوضوح على إخضاع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لسلطة وزير الداخلية. ولا بدّ من تجاوز الوضع الذي كان قائماً أيام الوزيرة الحسن حين كان اللواء عماد عثمان، على ما بدا، يتجاوز سلطتها من خلال انصياعه مباشرة لتوجيهات رئيس الحكومة من دون احترام تسلسل السلطات.