بعد التحرّكات الممنهجة التي يقوم بها منتفضو عكار تجاه المؤسسات الرسمية التي تفوح منها رائحة الفساد والسمسرات، يضع المنتفضون ومخاتير ساحل وجرد القيطع نصب أعينهم مركز «قلم نفوس العبدة»، كوجهة لمحاربة الفساد داخله وإيجاد حل لأحد الموظفين الذي يعمد إلى مخالفة القانون وعرقلة المعاملات وابتزاز المواطنين، وتقاضي الرشى علناً، حسبما يؤكد المخاتير. وقد وثّق عدد من المخاتير المخالفات الفاضحة داخل القلم وعلى مكتب الموظف الذي يعمد إلى استقبال مراجعين محددين، فيجلسون على مكتبه لساعات، يتحادثون بينما يعمد المواطنون إلى فتح السجلات الرسمية والعبث بالمحتويات والأوراق من دون أي ردة فعل للموظف المعني.ويتداول المخاتير في ما بينهم فيديو للموظف المعني وهو غارق في نومه، والفوضى عارمة حوله، وفيديو آخر يظهر تعرضه لأحد المخاتير بالسباب والشتائم ومحاولة ضربه بالعصا ثم بالحذاء الذي ينتعله!
على بعد خطوات من خيمة اعتصام العبدة، التي نصبها المعتصمون منذ بداية التحركات الاحتجاجية، يتجمّع مخاتير ساحل وجرد القيطع لإنجاز معاملات ما يزيد عن 250 ألف نسمة، إلا أن عقبات كثيرة تعترضهم، ما دفع بهم مراراً لرفع الصوت والتقدم بشكاوى رسمية إلى محافظ عكار عماد لبكي ووزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن.
«هو الاعتراض على الذل والمهانة، وعلى المخالفات الواضحة التي يقوم بها أحد الموظفين، حيث يعمد إلى أخذ الأموال من المراجعين، ويمتنع عن إنجاز المعاملات قبل دفع المعلوم»، يشير مختار بلدة ببنين محمد البستاني. يؤكد أن «اعتصامات متتالية نفذها المخاتير والمراجعون على مدار أعوام للمطالبة بتحسين أوضاع المركز، وزيادة عدد الموظفين، إلا أن أي شيء لم يتغير بل نُترك تحت رحمة أحد الموظفين الذي يتصرف كما يحلو له ضارباً بعرض الحائط كل المعايير القانونية والأخلاقية في التعاطي مع المواطنين والمخاتير على حدّ سواء».
أمام مركز قلم نفوس العبدة يتجمع عدد من مخاتير ساحل وجرد القيطع الذين يبلغ عددهم 90 مختاراً، ينتظرون موعد قدوم الموظفين (أربعة موظفين، إلى جانب رئيس القلم ميا كريم) لتقديم المعاملات من ثم ينتظرون حتى نهاية الدوام كي يتمكنوا من الحصول على إخراج قيد إفرادي. أما إخراج القيد العائلي ووثائق الزواج والولادة فيتوجب عليهم الانتظار أياماً عدة للحصول عليها. الكثافة السكانية والنطاق الجغرافي الواسع والمنقسم ما بين ساحل وجرد القيطع، دفعت بالموظفين إلى تقسيم عملهم حسب النطاق الجغرافي، حيث يتولى كل موظف ما يقارب السبع بلدات، ما يسهل معرفة كل مختار للجهة التي عليه أن يقصدها.
كل ذلك، يبدو ثانوياً أمام المطلب الأساس الذي يُجمع عليه المخاتير لجهة ضرورة محاسبة الموظف، وقد عمدوا إلى رفع عريضة موجّهة إلى المحافظ لبكي، وأخرى إلى من يهمه الأمر للمطالبة بمحاسبته.
هذا المطلب شكّل مادة خلافية بين المخاتير والمديرية العامة للأحوال الشخصية التي ردّت على كتاب المخاتير الذي وجهوه إلى المدير العام للأحوال الشخصية العميد الياس الخوري والذي يطالبون فيه بحل المعضلة مع الموظف قبل فوات الأوان، وقبل أن تصل الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه، آملين العمل على محاسبته واستبداله، وزيادة بعض الموظفين في قلم نفوس العبدة.
«الأحوال الشخصية»: لم نتلقّ أي شكوى بحقّ الموظف المذكور لإحالته على التحقيق


وأكدت «الأحوال الشخصية» أنه «لم يسبق أن تلقّت المديرية العامة منذ تولينا مهام المديرية العامة للأحوال الشخصية أي شكوى من مواطني المناطق المذكورة حول سوء تصرف أو شبهات حول الموظف المذكور. كما لم يتقدم أي مختار بشكوى محددة تتعلق بالموظف المعني، سوى تهمة «افتعال مشاكل»، و«تصوير» المخاتير وهم يدخلون إلى قلم النفوس»، وفق ما جاء في بيان رئيس رابطة مخاتير عكار زاهر الكسار، لافتاً إلى «أن اتخاذ أي عقوبة في حق أي موظف يجب أن تسبقه شكوى محددة تصل إلى المديرية العامة، تتم على أساسها إحالة هذا الموظف إلى التفتيش المركزي ليجري تحقيقاته، كما أنه فاتهم بطبيعة الحال أنهم ليسوا الجهة الصالحة والمخوّلة إقالة أو تغيير أو تعيين الموظفين، وهو أمر مستغرب بالفعل».
بيان المديرية العامة أثار استهجان المخاتير الذين أكدوا لـ«الأخبار» أنهم يدركون بأنهم ليسوا الجهة المخوّلة تغيير الموظفين، ولو كانوا كذلك لاعتمدوا أسلوباً مختلفاً، ولما لجأوا إلى الجهات الرسمية المعنية من المحافظ ووزيرة الداخلية.