بعد ستة أيام من قطع الطرقات، باتت هذه «الوسيلة المشروعة» في سياق فرض الخيارات على السلطة السياسية، مُهدّدة من نقمة الناس المُحتجزين في بلداتهم، أو ممن يمضون ساعات قبل الوصول إلى وجهتهم. «رح تصير بالآخر إنو عم نسكّر على بعضنا. هالمجمع التجاري يللي صار الو كم يوم مسكّر، كيف رح يقدر يدفع للموظفين؟ والناس اللي بدها تروح على أشغالها؟»، يقول أحد المعتصمين في غزير (كسروان)، وهو يُقيّم «موضوعياً» ما يجري. لا يوافقه الرأي «زملاء» له في قطع الطريق. بالنسبة إليهم، «التضحية قليلاً» واجبٌ لتحقيق المطالب، الجميع «لديهم مصالح متوقفة»، وأقسى ما أمكن تحقيقه لتخفيف نقمة المواطنين «هو التوقف عن حرق الدواليب لأنّها تُلوث». إنّها عيّنة صغيرة عن النقاش الذي بدأت تتسّع دائرته في المتن وكسروان والكورة... حول الجدوى من إغلاق الطرقات، ومدى تقبّل الناس لها، لا سيّما أنّها بدأت تتخذ طابع «حواجز» مع التقاط حزبيين من القوات اللبنانية مُبادرة القَطع، وتشديد الخناق في المناطق التي يغلب عليها الطابع المسيحي، حتى تظهر وكأنّها باتت تقبض على قراره. وتُحاول «القوات» ضبط الوضع في المتن وكسروان حيث يتواجد الكتائبيون، عبر الطلب من مناصري حزب الكتائب «التنسيق سوياً»، وتشكيل مجموعات مناوبة، من دون أن تتجاوب «الصيفي». ولن تكتفي قيادة معراب بالاعتصامات المناطقية، إذ جرى التداول بأنّ مواكب شعبية «عفوية» - يدعو إليها قواتيون - ستتوجه اليوم إلى بكركي بالتزامن مع اجتماع المطارنة الموارنة، لمحاولة إرغام البطريركية المارونية على تبنّي مطلب إسقاط الحكومة.يُدعّم الحجة الناقمة على إقفال الطرقات أنّ من يقوم بها عددٌ قليل من الشبان، فيما أغلب المُتظاهرين يغيبون عن المشهد صباحاً، قبل أن يعودوا مع ساعات الليل الأولى وانطلاق «الاحتفالات». وعِوض أن تكون أعداد الناس المُنتفضة هي سبب الزحمة، بدأت تزيد نسبة السيارات الباحثة عن طريق فرعية للنفاذ. هدف قطع الطريق قد يكون نبيلا، لكنّه يفقد غايته إذا لم يواكَب شعبياً، ولم تقتنع الفئة الأكبر من اللبنانيين بضرورة مواكبة هذه الخطوة طيلة ساعات اليوم، وليس فقط بأوقات مُحدّدة. فأركان السلطة التي ما زالت تتعامل مع الانتفاضة كما لو أنّها «موجة وبتقطع»، لن تشعر بالضغط الكافي الذي يؤدّي إلى انتزاع المطالب منها، إن شعرت بِتَعب أو لامبالاة المُتظاهرين أنفسهم. وقد بدأت مؤشرات ذلك بالظهور، في الصراع السياسي بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
«بعض قطاع الطرق انضموا للمتظاهرين الشرفاء الذين يُطالبون بلقمة عيشهم، وهؤلاء يستفزون المواطنين عبر قطع الطرقات ويُعيدون إلى أذهاننا أيام الحرب والميليشيات. لذا، نطلب منكم الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس...». إضافة إلى هذا التعميم الداخلي في «التيار»، بدأ سياسيون حزبيون أمس عملية «الالتفاف» على الانتفاضة الشعبية من خلال التصويب على إغلاق الطرقات. الأسهم موجهة ضدّ «القوات» بأنّها تُقفل الطرقات وتُحوّل المواطنين إلى «رهائن»، لا سيّما أنّها ترافقت مع «خبريات» عن فرض «رسم مرور»، أو طلب بطاقات الهوية على بعض النقاط، وفي محلات أخرى يُلاحَق ويُضرَب من يُصرّ على تجاوز العوائق. ردّت القوات اللبنانية في بيانٍ أنّ الكلام العوني «محاولة مكشوفة لحرف الأنظار عن الحراك الشعبي... مناصرو القوات موجودون في التظاهرات كأي مواطن لبناني آخر». النائب شامل روكز، دخل على هذا الخطّ، مُحذراً من أنّ «حق التظاهر لا يعني العمل بطريقة العصابات». وأوضح في اتصال مع «الأخبار» أنّه يجب «ترك مسارب بديلة للناس التي باتت تعلو صرختها، مُطالبةً بتسهيل حركتها». قد يعتبر البعض أنّ دعوة روكز لفتح الطرقات، تتلاقى مع تحريض «التيار» على قطعها بهدف فضّ الحِراك. ينفي العميد المتقاعد ذلك، «فأنا مؤيد للثورة، والشباب يتظاهرون (العمداء المتقاعدون وقدامى التيار العوني)، ولكن لا يجب عرقلة المواطنين».
معلومات عن تحضير القوات لمواكب شعبية إلى بكركي


التصويب العوني على «القوات» في قطع الطُرق مُبرّر، لأنّ حزبييها أطلقوا شرارتها الأولى في «المناطق المسيحية». على رغم أنّ المُشاركين في الاعتصامات لا يأتون تلبيةً لدعوتها وليسوا جميعاً «قوات». أما هي فلا تزال مصادرها تنفي ذلك، «نحن ضدّ تسييس الموضوع، ولسنا حمقى لنُظهر انتماءاتنا الحزبية، في لحظة مصيرية نملك فيها فرصة جرف كلّ السلطة السياسية». وتعتبر أنّ كلّ ما يرتبط بقصة إغلاق الطرقات، «مصدره التيار العوني لضرب التحرك».
الكتائب اللبنانية أكثر «تماساً» مع هذه «المشكلة» الطارئة، خاصة مع تحولها إلى مادة للتجاذب العوني - القواتي. يبدأ النائب الياس حنكش حديثه من أنّ «شلّ الحركة أمر أساسي للضغط على السلطة التي تخترع بدعة حصر التظاهر في الساحات وليس الطرقات. والبرهان أنّ القوى الحاكمة، رغم ستة أيام من التصعيد الشعبي، لا زالت تُكابر». ينفي أن يكون حزبه قد بادر إلى إغلاق الطُرق، «نريد الحفاظ على الهوية الشعبية للتحرك، لذلك لم نكن في الخطوط الأمامية عند أي نقطة»، وقد اقتصر عملهم على «تقديم الدعم اللوجستي وإعطاء إرشادات لشباننا المتظاهرين». مع استمرار التظاهرات بشكل تصعيدي، «هناك أشخاص بدأ ينقطع نفسهم. أكثر المُتحمسين للحراك، باتوا يئنون من الساعات الطويلة التي يمضونها على الطريق. كان الحضور الصباحي اليوم (أمس) الأقلّ منذ الجمعة، لأنّ الناس بحاجة إلى أن تطلّ على مصالحها». ما العمل إذاً؟ «الحسابات دقيقة جداً. لا يجب إقفال الطرقات من دون مواكبتها شعبياً، وليس فقط للاحتفال. فانحراف الثورة أو الانتفاضة، وسيطرة أجواء النرجيلة وغيره تستفيد منه السلطة». لذلك، يتحدّث حنكش عن العمل لإقناع الناس بضرورة البقاء في الشارع، «فإقفال الطرقات موجّه ضدّ السلطة وليس المواطنين».