منذ عام 1993، تدفّقت إلى لبنان رساميل وتحويلات ضخمة تجاوزت قيمتها 280 مليار دولار، إلّا أنها لم توجّه للاستثمار، بل موّلت عجزاً تجارياً بقيمة 261 مليار دولار (بين كانون الثاني 1993 وحزيران 2018، استورد لبنان سلعاً بقيمة تصل إلى 317 مليار دولار، ولم يصدّر في المقابل إلّا بقيمة 55 مليار دولار)، أي ما يعادل 93 في المئة من التدفقات الخارجية، وغذّت مضاربات عقارية (المبيعات العقارية) قُدّر حجمها بأكثر من 170 مليار دولار، ورتّبت مديونيّة عامّة وخاصّة تبلغ اليوم 4 أضعاف مجمل الناتج المحلّي السنوي.هذه الأرقام تروي القصّة الأكثر إثارة لكيفية وصولنا إلى ما نحن عليه اليوم من حالة بائسة. وتفسّر سبب حاجتنا المُستمرّة إلى المزيد من الدولارات وإدماننا على التحويلات وتدفّقات الودائع وطبع العملة!
وبالرغم من أن هذه الآلية نجحت في توفير التمويل للاستهلاك حتى عام 2010، ولو من دون استثمار، لكن منذ عام 2011 انقلبت الآية، إذ لم تعد تدفّقات الرساميل تكفي لتمويل العجز التجاري. ووفق حسابات البنك الدولي، بلغ العجز التجاري المُتراكم في السنوات الثماني الماضية (2011 - 2018) أكثر من 126 مليار دولار، في حين بلغت قيمة التدفّقات الخارجية أقلّ من 118 مليار دولار، أي أن لبنان عانى من نقص فادح في الدولارات المطلوبة لتمويل عجزه التجاري، بقيمة بلغت 8.5 مليارات دولار، وفق تقديرات مصرف لبنان على أساس المنهجية المُعدّلة اعتباراً من تشرين الثاني الماضي لاحتساب نتائج ميزان المدفوعات. وهذا العجز يرتفع إلى 13 مليار دولار بحسب حسابات «بلوم بنك» على أساس المنهجية السابقة، وهو ما دفع مصرف لبنان إلى دعم رفع الفوائد مجدّداً وإجراء الهندسات المالية للتحكّم بالسيولة المُتاحة وإغرائها للبقاء، في ما يشبه عملية المُصادرة، والدفع بالاقتصاد اللبناني إلى المزيد من التراجع والركود وفقدان التوازن والاستقرار.

المصدر: قاعدة بيانات البنك الدولي - 2018(تصميم: سنان عيسى) | أنقر على الرسم البياني لتكبيره