من المبكر القول إن كلام المجلس الاعلى للدفاع حول دور القضاء والامن في إنهاء ذيول حوادث عاليه قادر على ان يطوي صفحة ما حصل سياسياً وأمنياً. ففي السياسة والامن والقضاء هناك الكثير ليقال. لكن الاكيد ان للقضاء والامن دوريهما الاساسيَّين في كشف حقيقة ما حصل وتوفير المعطيات اللازمة للتحقيق، تمهيداً لدور سياسي، ليس من مسؤولية المجلس الاعلى للدفاع، علماً بأن هذا المجلس عرض كل الاجواء التي رافقت ما حصل من معلومات ونقاش سياسي وامني، مع العلم أن وجهة نظر الحزب التقدمي الاشتراكي غائبة عن هذا المجلس، ما يعني ان النقاش الحقيقي يفترض ان يتم على مستويين، رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يشكل دوره مرتبة اعلى من كون الحادثة حصلت مع صهره وتياره السياسي، وبما يتعدى ايضاً اللقاء مع احد اطراف النزاع دون غيره. والمستوى الثاني مجلس الوزراء الذي يضم الطرفين المعنيين، اضافة الى ان من مسؤولية الحكومة وضع يدها على هذا الملف، خصوصاً في ظل مطالبة رئيس الحزب الديموقراطي طلال ارسلان بإحالة القضية على المجلس العدلي، وهذا أمر يقرره مجلس الوزراء.الا ان الموقف السياسي لجنبلاط لن ينحصر بمجلس الوزراء. فجنبلاط، كما توافرت اجواء أمس، في صدد تهدئة الوضع والاحتكام إلى القضاء وحده، لكن على طريقته. وهو يعي انه نجح في شد عصب جمهوره في اليومين الاخيرين، بعدما تحولت معركته السياسية من خلاف مع التيار الوطني الحر، الى معركة تجمع كل «حلفاء سوريا في لبنان» في صف واحد ضده. وموقف الاشتراكي مبني على أن جنبلاط فتح بابه للتيار وسلم رئيس الجمهورية منصباً وزارياً، واحتكم اليه، فأتاه بوزير مقرب من دمشق. واستقبل وزير المهجرين غسان عطا الله وأيّد مصالحة سيدة التلة، لكن رئيس التيار هاجمه في عقر داره، ووزير المهجرين سرعان ما رد تلفزيونياً بأن المسيحيين يخافون من النوم في الجبل، ونواب التيار لا يوفرون فرصة لمهاجمة الاشتراكي. والعتب الجنبلاطي الحقيقي هو ان «التيار أتى بنواب ووزراء لا يعرفون اهمية مراعاة الجبل، ليس لجهة تبعات الحرب فحسب، بل لانهم لا يعرفون خصوصيته وتاريخه، ويتصرفون بطريقة تسيء الى المصالحة الحقيقية»، علماً بأن الاشتراكي أوعز الى كل المعنيين أمس في المنطقة بضرورة منع اي تصعيد وسحب اي عنصر توتر، لا سيما في منطقة بحمدون، والتواصل مع المعنيين على الارض من فاعليات لحصر ذيول الحادث.
وبقدر ما شدّ جنبلاط عصب جمهوره، فإن الواقع على الارض يحتاج الى جهود حثيثة سياسية وأمنية لتطويقه، من دون التقليل من اهمية فتح قناة التواصل والحوار. فكل من تواصل مع الرئيس سعد الحريري سمع منه كلاماً واضحاً حول مسؤولية الخلافات السياسية عما حصل. كان الحريري حاسماً في إبعاد المسؤولية عن اي جهاز أمني أو عسكري أو الكلام عن تقصير ما. كان واضحاً بإشارته الى ان الخلافات السياسية أوصلت لبنان الى هذا الحد من الاحتقان، وانه يجب تطويق ذيول الحادثة في الامن والقضاء، وفي السياسة ايضاً.
كلام الحريري لم يكن منعزلاً عن محاولته التواصل مع وزير الخارجية قبل تطور الاشكالات في عاليه، وكان دوره وكلامه حاسمين في تجاوب باسيل معه وقطع زيارته والعودة الى بيروت، رغم ان الوزير صالح الغريب أصرّ عليه استكمال الجولة وعدم قطعها.
ما جرى لن يوقِف باسيل لأن أي خطوة تراجعية قد يستفيد منها خصومه


أمنياً، اتخذ الجيش تدابير فورية قبل انعقاد المجلس الاعلى، ونفذ انتشاراً واسعاً وإجراءات فورية في المناطق التي وقعت فيها الحادثة وتلك التي شهدت توتراً ايضاً. كذلك بدأ التنسيق بين الجيش والاجهزة القضائية المختصة في ما يتعلق بملاحقة المتورطين في الحادث، علماً بأن درجة الاستنفار الامني كانت عالية جداً في جبل لبنان يوم السبت، بعدما توافرت للأجهزة الامنية من مخابرات جيش ومعلومات الامن العام وقوى الأمن، معلومات منذ ليل الجمعة ــ السبت حتى يوم الزيارة، عن توتر متنقل، وتبلغت كل القيادات الامنية والسياسية المعنية بها، وابلغ بها ايضاً رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وباسيل. ينفي معنيون أن يكون أي جهاز توقع تماماً إمكان تطور الاشكالات الى ما حصل، لكن الاجهزة كانت تبلغت الإعداد للتظاهرات، وان إلقاء قنبلة صوتية في كفرمتى وملاحقة شخصين متهمين بها، ومن ثم إلقاء قنبلة قرب كنيسة منصورية بحمدون في الليلة نفسها واطلاق قذيفة ليل السبت، كانت مؤشرات مقلقة. وهذا يعني انه كان يمكن تفادي تطورها اذ لم تحصل الزيارة الى كفرمتى او على الاقل تم الالتزام بالمسار الذي رسم لها اي زيارة مخيم صيفي من دون التوسع في الزيارات التي طرأت عليها لاحقاً. لكن باسيل كان واضحاً في جوابه، وهو الذي كرره أمس، بعد غيابه العلني وتركه نوابه ووزرائه يهاجمون الاشتراكي، بأن الدستور يكفل له حق الزيارات وابداء الرأي، وانه لا يمكن لأي طرف منع طرف آخر من زيارة أي منطقة وهو مصر على عدم التخلي عنها. لم يأخذ باسيل بالنصيحة، لانه اعتبر بحسب سياسيين معنيين انها فرصة كي يسجل كسراً لأعراف جنبلاط، ثم تهيب استكمالها حين ارتفعت حدة ما تبلغه من الحريري وقادة الاجهزة الامنية بضرورة العودة الى بيروت. وبخلاف ما قاله النائب سيزار ابو خليل عن سرايا الجيش التي كانت برفقة الوفد، فالجيش وضع كما في كل حدث او جولات رسمية قوات من الجيش موزعة اما على الطرق او في اماكن الاحتفالات والحدث، علماً بأن برنامج الزيارة كان يشمل نحو ست محطات كان الجيش وقوى الامن قد استعدا لها وفق برنامج دقيق ونشرا قواتهما فيها. اما المواكبة الثانية لباسيل فهي جهاز امنه الخاص وهو جهاز كبير ولا يتبع لقيادة الجيش او لاي جهاز امني.
بعد الجبل يستعد باسيل لزيارة طرابلس. وهو وإن كان مُصراً على استكمال جولاته، إلا أن الاكيد ان ما حصل معه هو الاول بهذا الحجم منذ بداية العهد وتوليه شؤونه الرئاسية، لن يوقفه لأن أي خطوة تراجعية قد يستفيد منها خصومه وتؤثر في مساره. لكن حجم ما حصل هزّه فعلياً.