يتطرق التقرير الذي استند إليه وزير العدل سليم جريصاتي للطلب إلى المدعي العام للتمييز سمير حمود، إجراء التعقبات بحق مهدري الأموال العامة في صندوق الضمان، إلى ستّ نقاط، أبرزها وجود حسابات غير صحيحة وغير شفافة، وعجز متزايد في ضمان المرض والأمومة، بالإضافة إلى وضع إداري هو أشبه بمسرحية مكشوفة، وخصخصة المكننة، وتفشّي الغشّ والفساد في بعض نشاطات الصندوق. والتقرير موقَّع من خمسة أعضاء في مجلس الإدارة هم: أنطوان واكيم (ممثل شركات التأمين مقرّب من التيار الوطني الحرّ)، فضل الله شريف (ممثل عن العمال محسوب على حزب الله)، عادل عليق (ممثل عن الدولة محسوب على حزب الله)، بهجت قاننجي (ممثل عن أصحاب العمل)، رفيق سلامة (ممثل عن الدولة محسوب على تيار المستقبل).بصرف النظر عن رغبات القوى السياسية بتسييس ملف الضمان، وعن ظروف وضع التقرير الذي أعدّه خمسة أعضاء في مجلس الإدارة في 10 كانون الثاني 2018، ينطوي مضمون التقرير على أمور جسيمة يجب أن تخضع للتحقيق والتدقيق.
- بالنسبة إلى الوضع المحاسبي، استند التقرير إلى تقارير المدقق الخارجي في عمله عن السنوات من 2006 حتى 2010 ويضعها تحت عنوان: حسابات غير صحيحة وغير شفافة وعجز متزايد في صندوق ضمان المرض والأمومة. ينقل التقرير عن المدقق أن هناك أخطاءً عديدة أدّت إلى ظهور أرصدة مدينة ودائنة للمشتركين غير صحيحة، إذ بلغ عدد المؤسسات التي عليها أرصدة مدينة للصندوق بنسبة 30% من مجموع عدد المؤسسات المسجلة، بينما بلغ عدد المؤسسات التي لها أرصدة دائنة على الصندوق ما نسبته 70%. كذلك، لم يُجرِ الصندوق جردة لأوراق القبض وسندات التقسيط ومطابقة الوجود الفعلي لهذه الأوراق مع قيود السجلات العائدة لها وتحديد الفروقات إن وجدت، ما دفع شركة التدقيق الخارجي إلى القول: «لا يمكننا إبدaاء الرأي في صحة أرصدة أوراق القبض في المحفظة وأوراق القبض المستحقة غير المسددة، وكذلك مدى إمكانية تحصيل هذه الأوراق».
المشكلة أن معالجة الأخطاء جرت من خلال «التوقف عن تعيين مدقق حسابات خارجي، وبقيت السنوات من 2011 حتى 2015 من دون تدقيق»، ثم اعتبرت الإدارة أن الأرصدة الدائنة والمدينة والسندات غير الموجودة لا تحول دون إعطاء براءة ذمة، أي تبدو الأرصدة كأنها شطبت. (وهذا بالفعل ما حصل قبل فترة قصيرة. وقد تعذّر إجراء مطابقة بين طلبات التحصيل وبيانات الدَّين الصادرة عن المديرية المالية وبين طلبات التحصيل وبيانات الدَّين المستلمة من مصلحة القضايا وما نُفِّذ منها وما بقي قيد المتابعة).
وبحسب التقرير، فإن العجز في صندوق ضمان مرض الأمومة بلغ 147 مليار ليرة لعام 2016، فيما بلغ الرصيد المتراكم في نهاية 2016 بقيمة 37 مليار ليرة فقط... «علماً بأن العجز الحقيقي في صندوق المرض والأمومة مع الأخذ بالاعتبار تسديد الدولة كامل ديونها، 620 مليار ليرة».
بالنسبة إلى الوضع الإداري، يشير التقرير إلى أنه «لا يوجد في الصندوق إدارة تغيير ولا إرادة تغيير وإصلاح، حتى إن مشاريع الإصلاح العديدة التي قام بها خبراء لبنانيون وأجانب بقيت حبراً على ورق». كذلك يضيف أن «المدير العام عطّل المباريات لترتفع الشكوى من الشغور وتباطؤ الخدمات ليبرر لنفسه اللجوء إلى التعيينات غير القانونية، فأقدم على تعيين 115 شخصاً بصفة عتال بطريقة التكليف بخدمات شتى... ولا يزال يلجأ إلى إجراء عقود خدمات وفقاً للنظام المالي أملاً بتحويلها إلى عقود عمل وفقاً لمسرحية مشكوفة يقوم فيها الصندوق بمخالفة أحكام قانون الضمان الاجتماعي بنفسه، ومن ثم يشتكي على نفسه، ويفتش بنفسه على نفسه، ويحمّل الصندوق أعباءً مالية ضخمة من اشتراكات وزيادات تأخير وتعويضات نهاية خدمة بمفعول رجعي».
تقرير الأعضاء الخمسة: المسؤولية الأساسية تقع على عاتق المدير العام


بالنسبة إلى المكننة، يظهر التقرير أن الإدارة استبعدت الشقّ المتعلق بتحديث الهيكلية الإدارية والأسس النظامية ومسالك العمل من الخطة الشاملة… وبسبب عدم وجود موظفين فنيين في ملاك المكننة أقدم الصندوق على تلزيم تشغيل المرحلة الأولى من المكننة لشركة خاصة من دون وجود خبير واحد في الصندوق يستلم الأشغال المنفذة من قبل الشركة.
الامتناع عن تنفيذ نظام أدوية الأمراض المستعصية والتفويت على الصندوق توفير نحو 180 مليار ليرة. مرّت ثماني سنوات على التعهد بإقرار هذا النظام أمام مجلس الإدارة ولم ينفذ.
رغم وجود أجهزة الرقابة الداخلية في الصندوق، فإن أعمال الغشّ والفساد متفشية في المكاتب الإقليمية والمحلية وفي الإدارة المركزية في الصندوق، وكان آخرها الفضيحة الأكبر في تزوير معاملات براءة الذمة وتدوين قيم شيكات مسدّدة من مؤسسات معينة في حسابات مؤسسات أخرى لتغطية اختلاسات للاشتراكات قام بها أحد معقبي المعاملات (الحديث هنا عن قضية شركة المضمون التي يملكها جورج بعينو ووالده والتي صدرت فيها قبل أسابيع قرارات من المجلس التأديبي قضت بطرد موظفين ومعاقبة آخرين).
من أجل استعادة دور الصندوق في المجتمع واستعادة ثقة الناس به، لا بد من الإقدام على إجراء إصلاح جذري يتناول في المرحلة الأولى إعادة النظر في حاكمية الصندوق بحيث تتأمن الشفافية والرقابة والمحاسبة والوضوح في تحديد الصلاحيات والمسؤوليات. «والمسؤولية تقع على أجهزة الصندوق القيادية، إلا أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق المدير العام لأمانة سرّ الصندوق نظراً للصلاحيات التنفيذية الواسعة والمهام التي يتولاها».