منذ اليوم الأول لبدء عمل شركات مقدمي الخدمات في قطاع الكهرباء، بدأت بالحصول على التعويضات، إما المالية أو على شكل تمديد للعقد. التمديد الأول كان لمدة أربعة أشهر على خلفية إضراب المياومين في العام 2012، والتمديد الثاني كان على خلفية إضراب العمال في العام 2014. وها هي الشركات تنتظر تعويضاً مالياً قد يصل إلى 20 مليون دولار، ربطاً بالإضراب نفسه. وبين هذا التعويض وذاك، حصلت شركة NEUC منذ أشهر قليلة على تعويض بقيمة 7 ملايين دولار. فهل تتحول التعويضات إلى عائدات ثابتة للشركات؟إذا سارت الأمور كما تأمل شركات مقدمي الخدمات، فإنها ستحصل على تعويض يقدّر بنحو 20 مليون دولار، لشركة دباس (NEUC) الحصة الأكبر منه وتقدّر بنحو 9 ملايين دولار. هذا يحل جزءاً من مشكلتها أيضاً، لكنه لا يبعد عنها شبح الإفلاس.
كانت القصة قد بدأت في العام 2014. بين 9 آب و4 كانون الأول، أضرب عمال شركات مقدمي خدمات التوزيع المتعاقدة مع مؤسسة كهرباء لبنان، عن العمل. مرّ على تلك الأحداث، التي شملت إغلاق أبواب المؤسسة ومنع عمالها ومستخدميها من الدخول، نحو 4 سنوات، لكن مع ذلك، فإن تبعات ذلك الإضراب لم تنته. وعلى رغم مرور سنوات على مطالبة الشركات بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها من جراء الإضراب والإقفال، إلا أن الأمر لم يحسم حتى تاريخه. علماً أن كهرباء لبنان كانت قد عوّضت على الشركات، من خلال تمديد العقد لأربعة أشهر إضافية في 26/8/2016، وهو ما وجدت الشركات أنه غير كاف.
هل يحق لهذه الشركات المطالبة بالتعويض فعلاً؟ ذلك السؤال لا يزال محل أخذ ورد، بانتظار أن تحسمه هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، التي سبق أن أقرت بحق الشركات بالتعويض. فهل تعود الهيئة فتؤكد قرارها، رداً على الكتاب الثاني المقدم من كهرباء لبنان بتاريخ 5/9/2015؟ هذا ما يخشاه مطلعون على الملف، ينظرون بعين الريبة إلى كيفية إدارته من قبل السلطة السياسية، خصوصاً في ظل الوضع الكارثي لكهرباء لبنان، التي ترزح تحت عجز كبير، بعد ارتفاع أسعار المحروقات وتردي أحوال الجباية (تقدر المبالغ المستحقة على المواطنين والتي لم تُجبَ بعد بنحو 600 مليون دولار).
بالنسبة للشركات، فإن الإضراب، أتى على خلفية صدور القانون رقم 287/2014، الذي يجيز لكهرباء لبنان ملء المراكز الشاغرة في ملاكها لوظائف إدارية وفنية بحسب حاجاتها، وصدور قرار مجلس إدارة كهرباء لبنان، في 6/8/2014، الذي يحدد حاجات المؤسسة. وهو بالتالي يندرج تحت إطار الأحداث المادية غير المتوقعة التي تخولها المطالبة بالتعويض، بحسب العقد الموقع مع المؤسسة. أما بالنسبة للمؤسسة، فينطبق على الوضع وصف القوة القاهرة الذي لا يرتب للشركات أي حق بالتعويض، خصوصاً أنه بموجب المادة 21 من العقد، فإن العمال الذين يُعرفون بعمال غب الطلب وجباة الإكراء قد انتقلوا إلى الشركات وهم أصبحوا على مسؤوليتها.
لحسم الخلاف، تم رفع الأمر إلى هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل، استناداً إلى مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين، فكان جواب الهيئة الصادر في 31/7/2017، مؤيداً لوجهة نظر الشركات، إذ أشارت فيه إلى أنه «يحق للشركات أن تتقاضى الكلفات الإضافية التي تكبدتها عن الأربعة أشهر من التعطيل عن تقديم الخدمات»، أنطلاقاً من أن «الأفعال التي أدت إلى منع الشركات مقدمي الخدمات من الوصول إلى مواقع العمل خلال العام 2014، تتصف بوصف الأحداث المادية غير المتوقعة». وقد جاء في متن الرأي الاستشاري أن العمال الذين تعاقد معهم مقدمو الخدمات لمصلحة مؤسسة كهربا لبنان لم يتوقفوا عن العمل بسبب ظروف العمل أو بسبب فعل مشغليهم بل احتجاجاً على ما اعتبروه غبناً لاحقاً بهم نتيجة تحديد حاجات المؤسسة (قرار مجلس الإدارة رقم 36-360/2014). وبالتالي، فقد جاء في الاستشارة أن هذه الأفعال لا تخرج عن سيطرة مؤسسة كهرباء لبنان التي كان من واجبها الإصرار على الاستعانة بالقوى الأمنية لإخلاء مواقع تؤمّن مرفقاً عاماً حيوياً، وذلك تسهيلاً لمقدمي الخدمات لتشغيل وصيانة قطاع الكهرباء لذا يكون أحد الشرطين الواجب توافرهما بموجب العقد غير متوافر في الحالة الحاضرة، مما يحول دون وصف هذه الأفعال بالقوة القاهرة.
يصف مصدر متابع للقضية القرار بالمجحف بحق المؤسسة، معتبراً أن عدم تمكن شركات مقدمي الخدمات من القيام بعملها بشكل طبيعي خلال تلك الفترة يعتبر من الأسباب التي يمكن أن تسمح للشركات بتأخير مهلة تنفيذ الأشغال وليس المطالبة بالتعويضات، ولأن للمؤسسة الرأي نفسه، فقد عادت في 5/9/2018 (منذ نحو شهر)، بإرسال كتاب جديد للهيئة تطلب فيه «إفادتنا ما إذا طرأ أي تغيير على رأيكم السابق، والذي أعطى الشركات الحق بأن تتقاضى الكلفات الإضافية التي تكبدتها عن الأربعة أشهر من التعطيل عن تقديم الخدمات».
في الكتاب الثاني، بدا واضحاً أن المؤسسة تعاملت مع المسألة بجدية أكبر، مقدمة الكثير من الحيثيات الجديدة، التي لم يتم التطرق لها في طلب الاستشارة الأول، والذي يشير الكتاب إلى أنها صدرت «بناء على طلب وزارة الطاقة والمياه». في المؤسسة لا تفسير واضحاً لسبب وضع هذه العبارة في الكتاب. هل هذا يعني أن الوزارة هي التي طلبت الاستشارة من هيئة التشريع، ولماذا، علماً أنه لا يحق للوزارة أن تطلب الاستشارة، إنما يفترض أن يقتصر دورها، بصفتها وزارة الوصاية، بنقل كتاب مؤسسة الكهرباء إلى وزارة العدل.
تنتظر شركات مقدمي الخدمات قرار هيئة التشريع للحصول على تعويضات بقيمة 20 مليون دولار


بعيداً عن دور الوزارة في مسألة تعويض الشركات، فإن المؤسسة طلبت من هيئة الاستشارات إفادتها «ما إذا طرأ أي تعديل على رأيها الاستشاري السابق»، والذي أشارت فيه إلى توافر القوة القاهرة (Force Majeur)، والتي تشمل «كل حدث يخرج عن السيطرة المعقولة لمالك أو لمقدم الخدمة ولا يمكن تداركه بعناية معقولة من الفريق المتضرر». وذكرت المؤسسة أن قرارها المتعلق بتحديد حاجات المؤسسة من الموظفين، مستند إلى أسباب مشروعة مستمدة من أحكام القانون ومتوافقة مع مصلحة المرفق العام، وبالتالي فإنها لم يكن باستطاعتها لجم الأفعال والتصرفات الصادرة عن عمال الشركات ولا يمكنها بالتالي ضبطها والسيطرة عليها لقدرتها الذاتية. والأهم في رسالة المؤسسة، إشارتها إلى أن العمال الذين «احتلوا المؤسسة» لا تربطهم بها أي علاقة تعاقدية مباشرة، بل هم موظفون لدى شركات مقدمي خدمات التوزيع، التي قامت بتسجيلهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بما يعني أن هؤلاء يعتبرون جزءاً لا يتجزأ من هيكلتها ومنذ تاريخ إلحاقهم بها رسمياً. وبالتالي، فإنه بتاريخ حصول الإقفال، الذي هو تاريخ حصول القوة القاهرة بالنسبة للمؤسسة، كان العمال يعملون لدى شركات مقدمي الخدمات، وهم بالتي يعتبرون بمثابة الغير بالنسبة للمؤسسة التي لا يمكن تحملها مسؤولية ما قاموا به من تصرفات، سببت أضراراً سواء لشركات أو للمؤسسة.
بالنسبة للمعترضين على مبدأ التعويض على الشركات، فهم يبنون موقفهم على ما يعتبرونه خطورة تسجيل سابقة بالتعويض على شركة خاصة متعاقدة مع الدولة، لمجرد أن موظفيها الشرعيين، المنتمين إلى الضمان الاجتماعي، قد نفذوا إضراباً بغض النظر عما إذا كانت أسبابه خاصة بطبيعة العمل، أو حتى لتحصيل مطالب عامة.