في الأسبوع الماضي صدر قرار عن هيئة أوجيرو يمنع المياومين من العمل ساعات إضافية عن الدوام العادي، أسوة بالمستخدمين فيها. بحسب مصادر مطلعة، جاء هذا القرار لضبط آلية الساعات الإضافية بعد «تضخم بشري» في الهيئة ناتج من التوظيف السياسي بناء على طلب القوى السياسية، يضاف إلى فلتان طائفي/ سياسي في توزيع الساعات الإضافية بين الرؤساء والمرؤوسين، وستليه قرارات أخرى تتعلق بإعادة توزيع السيارات وبطاقات الوقود والهاتف الخلوي على الإداريين والموظفين.ليست هيئة أوجيرو المؤسسة الوحيدة التي أفسدتها الزبائنية السياسية وأغرقتها في هدر مالي وفوضى إدارية، وإنما هي المثال الأكثر وضوحاً خلال فترة ما بعد نهاية النزاع بين وزراء الاتصالات المتعاقبين والرئيس السابق للهيئة عبد المنعم يوسف. ففيما تحرّرت الهيئة من استغلال يوسف للهيئة ونقابتها وموظفيها للضغط على وزراء الاتصالات الذين أتوا من خارج سربه السياسي، ومن استغلال وزراء الاتصالات صلاحياتهم في محاولة لإخضاع يوسف، انطلق عهد جديد من الزبائنية في الهيئة بقيادة وزير الاتصالات جمال الجراح.
كانت الانتخابيات النيابية الأخيرة هي الهدف الأول. الجراح افتتح الموسم الانتخابي مطالباً بتعيين موظفين من ضمن منطقته الانتخابية في البقاع الغربي. ثم رفع من وتيرة طلباته فارضاً تعيين أكثر من سبعة مستشارين في الهيئة هم في الواقع يعملون في هيئة المالكين المسؤولة عن الهاتف الخلوي وفي مديرية الاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات. وحذت الأحزاب والقوى السياسية حذو الجراح، فأعدّت لوائح بأسماء عشرات المرشحين للتوظيف وتمكنت من فرضها على الهيئة.
التوظيف في الهيئة كان حاجة مبنية على دراسة للهيكل البشري أظهرت أن معدل الأعمار فيها ارتفع إلى 54 سنة، وأن هناك وظائف غير مشغولة عددها 900 وظيفة. لوائح القوى السياسية فاقت هذا العدد. لجأت الهيئة إلى عملية اختيار صعبة، إلا أنها لم تتمكن من التوفيق بين حاجاتها وبين طلبات السياسيين التي انطوت على خيارات طائفية أيضاً. لاحقاً تبيّن أن 30% من المعيَّنين حديثاً هم عبء على الهيئة. كذلك أظهرت بعض الإحصاءات أن هناك 7 آلاف ساعة إضافية جرى نقلها من 200 عامل في الهيئة إلى 170 من زملائهم الذي يتبعون لطائفة وقوى سياسية مختلفة، وأن هناك 33 ألف ساعة إضافية يتم توزيعها على العاملين وفق اعتبارات خاصة برؤساء الأقسام والمدراء الإداريين ومرؤوسيهم وهي لا تغطّي، بنسبة كبيرة منها، حاجات المؤسسة. أما توزيع السيارات وبطاقات المحروقات والهواتف الخلوية على العاملين فكان يحمل الصبغة نفسها. لدى الهيئة أكثر من 1500 سيارة موزّعة على ألفي عامل فيها. كلفة هذه السيارات تبلغ 7 مليون دولار سنوياً (غالبية السيارات تستخدم يومي السبت والأحد على رغم أن غالبية العاملين في عطلة). أما كلفة الاتصالات الهاتفية في الهيئة فهي تبلغ ملياري ليرة سنوياً من دون أي مبرّر فعلي لإنفاق مثل هذا المبلغ.
في هذا الوقت كان الجراح يعد مشاريع مختلفة لأوجيرو. فالهيئة كانت تحصل على الرواتب والأجور للعاملين فيها عبر مساهمة من وزارة الاتصالات بقيمة 175 مليار ليرة، وتجري تغطية الإنفاق الاستثماري من خلال فواتير تقدمها الهيئة للوزارة. هذا الوضع لم يكن نهائياً، بل كان مؤقتاً ريثما يوقع الطرفان عقداً شاملاً بينهما بناء على قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 أيار 2018 بالاستناد إلى كتاب وزير الاتصالات رقم 5901/1 المرفوع إلى مجلس الوزراء في 28/12/2017.
كلفة الهاتف في الهيئة تبلغ ملياري ليرة من دون أي مبرّر فعلي لإنفاق مثل هذا المبلغ


حتى اليوم لم ينته إعداد العقد بين الطرفين. لكن الوزير يرفض أن يسدّد للهيئة 160 مليار ليرة متأخرة تندرج في إطار الإنفاق الاستثماري من بينها نحو 30 مليار ليرة تعود لـ«حقوق الغير» (أي مؤسسات وأفراد من خارج الهيئة). مصادر مطلعة قالت إن الهيئة لم تحصل على أي قرش من الوزارة في إطار النفقات الاستثمارية منذ سنتين، بل كانت تنفق بعض الأموال المتوافرة لديها في المصارف ومن الأرصدة المدورة في ميزانيتها عن الأعوام السابقة لعام 2015.
الهيئة طالبت الوزير بتسديد الأموال، إلا أنه لم يستجب لمطالبتها بحجّة أن مشروع العقد يشير إلى تسديد الأموال على أربع دفعات متهماً أوجيرو بالتقصير في إنجاز أعمال الصيانة.
الهيئة ذكّرته بأن مشروع العقد ليس سارياً بعد، وأنه طلب منها في كانون الثاني 2018 الاستمرار بتنفيذ الأعمال وخدمات الصيانة والتشغيل والتوسعة بناء على العقد السابق الموقع بين الطرفين في مطلع عام 2016 في انتظار انتهاء الإجراءات المتعلقة بالعقد الجديد.
مراسلات المطالبة والاتهامات بالتقصير امتدت بين الطرفين لأشهر، فيما مشروع العقد الجديد تأخّر سنتين عن موعده بين وزارة الاتصالات وديوان المحاسبة. أما تأخّر تسديد الأموال، فقد أدى إلى إضعاف قدرة أوجيرو على القيام بأعمال الصيانة بكاملها وقد يصل إلى حدود التوقف القسري عنها.
لم يكن هذا كلّ ما قام به الجراح من محاولات لإخضاع أوجيرو، بل تمكّن من تأخير تسديد مساهمة الوزارة للرواتب والأجور أكثر من أربعة أشهر، ما رتّب أعباء مالية أكبر على ميزانية الهيئة.