لم يدم مكوثنا في الطبقة السابعة من مبنى «أريسكو بالاس» طويلاً. بعد نحو ساعتين من موعد فتح صناديق الاقتراع، حضر إلى مركز هيئة الإشراف على الانتخابات رئيسها القاضي نديم عبد الملك واعترض على «إقامتي» كصحافية، لأن في ذلك «خرق لسرية العمل»، بحسب تعبيره. رغم حيازتنا تصريحاً من الهيئة نفسها، قال عبد الملك إنّه فوجئ بوجودنا في غرفة الرصد والإعلام من دون أن يكون لديه وأي من أعضاء الهيئة أي علم مسبق بذلك، «فمرجعيتكم لم تتصل بنا ولم ترسل كتاباً ولم تأخذ حتى موعداً للقاء». وكي لا تكون سلتنا فاضية، تكرّم «الريّس» بتزويدنا بالبيان رقم 20 الذي تهيب فيه الهيئة بجميع وسائل الإعلام والمرشحين واللوائح والجهات السياسية المعنية الالتزام التام بما تتطلبه فترة الصمت الانتخابي تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بالجهات المخالفة. كذلك حظينا بالإعلان رقم 9 المتعلق بالأعمال المحظورة خلال هذه الفترة.حتى الساعة التي كنا قد غادرنا فيها المقر، في «أريسكو بالاس»، أي عند التاسعة من صباح اليوم، لم يكن قد وصل سوى الرئيس عبد الملك وعضو آخر هو القاضي أندريه صادر من أصل 11 هم إجمالي عدد الهيئة قبل استقالة سيلفانا اللقيس، ممثلة المجتمع المدني في 20 نيسان الماضي «كي لا أكون شاهدة زور»، كما قالت يومها. ورغم استقالة اللقيس، فقد سجلت الهيئة اسمها ورقم سيارتها لدى رجل الأمن الموكل تسجيل أسماء الداخلين والخارجين من المبنى.
وصلنا إلى المكان قبل «جحا وأهل بيتو» ظناً منا بأنّ هيئة الإشراف ستشمّر عن زنودها فعلاً، كما أعلنت، وستراقب «بعين ثاقبة وآذان صاغية كل ما يحدث على الأرض وسوف تتدخل عند اللزوم»، بحسب ما قال رئيسها عشية الانتخابات.
اعتقدنا في «الأخبار» أنّ النهار الطويل سيبدأ باكراً، لكون الهيئة ستركز اليوم على مهمة واحدة فقط هي رصد تقيُد وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء والمكتوب الرسمي والخاص والمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بفترة الصمت الانتخابي والتي بدأت منذ منتصف ليل الجمعة - السبت الماضي وتنتهي مع إقفال الصناديق مساء اليوم.
مع فتح صناديق، عند السابعة من صباح اليوم، لم يكن قد حضر سوى «مراقبين اثنين» من أصل 25 مراقباً في غرفة الرصد. «وينن الشباب؟ ما اتفقنا انو نوزع الشغل مبارح»، يسأل نبيل زميله محمد، فيجيبه الأخير: «ما مشكلة، الجميع على الطريق، الشباب تعبوا مبارح كتير». يصل ستة آخرون تباعاً إلى حين خروجنا، وهؤلاء مولجون فقط بمتابعة المخالفات على شاشات التلفزة.
دقائق وتصل مسؤولة فريق الرصد، مستشارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي محاسن حدّارة فتعلّق: «هيدا التأخير ما رح يمضى على خير»! ثم تبادر إلى توزيع مهمة رصد المؤسسات التلفزيونية على الحاضرين الذين لم يكتمل عددهم إلاّ في الثامنة إلاّ ثلثاً. تزود حدّارة «المراقبين» بنموذج يملأونه حول مخالفات المؤسسات، يعيدونه إليها، مع تسجيل كل مخالفة. تطلب منهم أن يسجلوا التوقيت كي تتمكن من العودة إلى المخالفة وتوثيقها تمهيداً لارفاقها بالتقرير المفصل بالمخالفات بعد ثلاثة أيام من انتهاء العملية الانتخابية. تقول حدّارة لـ «الأخبار» إنها ليست موظفة في الهيئة بل مستشارة UNDP ومهمتها محصورة بجمع معلومات تضمنها في تقريرها الذي ترفعه إلى الهيئة من أجل تسطير المخالفة.
ماذا عن باقي «المراقبين»؟ يقول عبد الملك: «ليس هناك حاجة للمواكبة الفورية لمواقع السوشيل ميديا، فهناك أجهزة متطورة تسجّل كل التفاصيل أول بأول ليس فقط على مدى الساعات الماضية، إنما أيضاً لثلاثة أشهر مضت». وأوضح لـ «الأخبار» أنّ هيئة الاشراف تعاقدت مع شركة انترتك intertek العالمية لمراقبة المخالفات للمرشحين ورؤساء الاحزاب واللوائح الانتخابية عبر جميع المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي من «فيسبوك» و«تويتر» و«انستغرام» وغيرها، ويتم رصدها بتقنية عالية منذ ثلاثة اشهر، وفقا لتقنية المعلومات والإتصالات «الدائمة-المتوفرة» والمختبرات العالية الخبرة في الفحص والإختبار بالإعتماد على الخبرة والكفاءة.لكن الرئيس وعد قبل يوم واحد من الاستحقاق بأنّ قسم مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي سيقوم برصد مباشر خلال اليوم الانتخابي.
أين هم باقي أعضاء الهيئة؟ يؤكد عبد الملك أنهم سيأتون حتماً خلال النهار، مشيراً إلى أنّه اتصل ويتصل شخصياً بالمؤسسات المخالفة لمطالبتها بالعودة عن خرق القانون، والكثير منها استجاب، ومنها من استجاب مؤقتاً وعاد وخرق الصمت مرة أخرى. وعما إذا كانوا سيطلبون وقف نشر أي مادة مخالفة للقانون حتى لو كان على الهواء مباشرة كما تعهدوا، يوضح عبد الملك: «ليس لدي الجهاز الذي أفرض عليه هذا الأمر، فكل الأجهزة التي تعمل تحت إشراف وزارة الداخلية مستنفرة للعملية الانتخابية، وما نفعله هو الاكتفاء بالاتصال بالمؤسسة والاتكال على مناقبيتها واحترامها للقانون والبيان رقم 20 والإعلان رقم 9».