في غمرة الانشغال باحتمال صدور ترشيح المستقبل رسمياً رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، يعود قانون الانتخاب الى الواجهة، ولا سيما أنه أحد البنود التفاوضية في التفاهمات التي تصاغ حالياً، قبل تحديد وجهة الانتخابات الرئاسية.تمسك حزب الله وحركة أمل، منذ اللحظة الأولى، بقانون الانتخاب على أساس النسبية، مع انفتاحهما على نقاشات أخرى. لكن النسبية ظلت بالنسبة إليهما في مراحل سياسية سابقة أولوية، لا لتعزيز حصصهما النيابية، وهي حصص تبقى في المبدأ على ما هي عليه وفق أي قانون، وإنما من أجل الخروج بكتلة سنية وازنة لا علاقة لها بكتلة المستقبل، وتكون قادرة على تشكيل قوة ضغط داخلية على تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، عبر إنتاج طبقة نيابية قريبة من قوى 8 آذار وشخصيات من الوسط السني المعارض للحريري وتوجه قوى 14 آذار.
لكن الأشهر الأخيرة حملت متغيرات في الوسط السني، أولاً مع دخول عناصر جديدة على الواقع الشعبي وتوجهاته لا علاقة لها بالمستقبل، وحكماً لا صلة لها بقوى 8 آذار، بل على عداء مطلق معها. ثم برز كذلك مشروع الوزير أشرف ريفي، الذي يخرج كلياً من جو المستقبل والحريري، لكنه يستمر بموقفه المعادي حتى العظم لمشروع حزب الله، وهو لا ينفك يكرر موقفه العدائي هذا في كل فرصة تتاح له، من دون أن ننسى تأثيرات الرئيس فؤاد السنيورة، وهي وإن ظلت تحت عباءة المستقبل لكنها أيضاً تشكل رافعة مستقبلية في وجه حزب الله.
هل تغطي المفاوضات للإتيان بعون رئيساً عورات قانون الستين؟

من هنا، يصبح السؤال عن جدوى الكلام عن قانون انتخاب على أساس النسبية، في ظل هذا المشهد، بعد المتغيرات "في الجو المستقبلي" التي تكفل إنتاج كتلة نيابية مناهضة لحزب الله وأمل على السواء. وتبعاً لذلك، يصح الكلام عن تسوية حول قانون انتخاب من ضمن التفاهمات الحالية لانتخاب رئيس الجمهورية، تضمن خلق جو مريح للحريري ولحزب الله وأمل على السواء. ورغم كل الخلافات والكباش السياسي والسهام التي يطلقها الحريري ضد حزب الله، طبعاً مع تحييد الرئيس نبيه بري، فإن الخلاف معه ظل دائماً محكوماً في نهاية المطاف بحوار ثنائي وبتفاهمات ولو بعد تشنجات أو معارك أساسية على مثال 7 أيار. وهذا ما أثبتته التجارب المتكررة مع الحريري، الذي قبل بالمشاركة في الحكومة عام 2014 من أمام محكمة لاهاي، وشارك في حوار ثنائي مع الحزب وفي طاولة الحوار ورشح من قوى 8 آذار النائب سليمان فرنجية ويستعد لترشيح العماد ميشال عون، مع كل الظروف الإقليمية والمحلية التي تحيط به. في حين أن الخصومة مع ريفي في موقعه الجديد، وخصوصاً بعد الانتخابات البلدية واستعداده لخوض الانتخابات النيابية في الشمال وخارجه، أو مع السنيورة والشارع الذي يرفض أداء الحريري، ستكون خصومة مكلفة على حزب الله وحركة أمل.
وفق ذلك، تتحدث أوساط مطلعة على مسار المفاوضات الجارية حالياً حول الرئاسة الأولى، أن من ضمن الأولويات الحالية التسليم بأن الأجدى بقاء قانون الستين، لاعتبارات تتعلق بالحيثيات التي سبق ذكرها، وأنه يمكن البحث تحت الطاولة بحسنات هذا القانون حالياً والترويج له مجدداً، نظراً الى ضيق الوقت لإقرار قانون جديد ووضع كل مندرجاته قيد التطبيق، قبل موعد إجراء الانتخابات النيابية. فمسار انتخاب رئيس جديد، وإن كانت القوى المسيحية حتى الآن ترفض ربطه بسلة مشروطة، يظهر حتى الآن، أن جميع المعنيين به ناقشوا بطريقة أو بأخرى قانون الانتخاب، والستين تحديداً، علماً بأن المفاوضات الأولى بين عون والحريري تناولت أيضاً هذا القانون، ونقل حينها بعض المطلعين عليها أن عون كان شبه موافق على إجراء الانتخابات على أساسه، إضافة الى أن نقاشات الحريري فرنجية أيضاً ذهبت في اتجاه القانون نفسه. وهذا يعني أن قانون الستين، مع بعض التعديلات الطفيفة عليه، كنقل مقاعد محدودة من قضاء الى آخر، يمكن أن يسلك طريقه مجدداً في إطار تفاهمات تتعلق أولاً وأخيراً بإيصال عون رئيساً للجمهورية، لأن مصالح جميع القوى السياسية، ومن بينها بطبيعة الحال النائب وليد جنبلاط، تبدو حالياً تصب في خانة العودة إليه.
يبقى أن يظهر بوضوح موقف الأحزاب المسيحية من هذا التوجه، علماً بأن هذه القوى ولا سيما التيار الوطني الحر والقوات كانا متشددين في رفض العودة إليه. فهل تغطي المفاوضات للإتيان بعون رئيساً عورات هذا القانون، وتسلم به القوى المسيحية مجدداً، فيكون قانون الستين شرط الاتفاق على الرئاسة الأولى لعون كمرشح التيار والقوات معاً؟ أم أن فشل المفاوضات الحالية سيجعل هذه القوى تعود مجدداً الى رفضه بحجة أنه لا يؤمن "التمثيل المسيحي الحقيقي"؟