كل خميس، في الثالثة بعد الظهر، تضرب أم حسن موعداً للقاء أبنائها. تدخل خفيفة بين الوجوه الباسمة. تسلّم على بعضهم. تخاف أن تتأخر على موعدها. تضع كرسيها أمام «دار» أولادها. هذا يوم أبنائها الثلاثة. على دفعة واحدة تجري الزيارة. يعزّيها أن أهالي آخرين بعيدون عن أولادهم، أو يرونهم «بالمفرق». هنا في روضة الشهيدين تهيم روحهم انتظاراً لرؤيتها. ترمي التحية، ترمقهم بنظرة المشتاقة وتوزّع شموعها على الأضرحة حيث يرقد حسن وعلي وإبراهيم مسلماني. إخوة تلاقوا على الدرب ذاتها... حسن وعلي استشهدا معاً في حرب تموز في قريتهما الجبّين (قضاء صور) وعرج إليهما إبراهيم من حلب عام 2013، ليجتمعوا في «جامعة» قوافل الشهداء في الشياح.يزيد العابرون نحو «المنازل». اعتاد الزوار المرور بين شواهد رفاق أبنائهم. ألفة خُلقت في الطريق نحوهم. تمر أمّ الشهيد سهيل دياب (استشهد في مواجهات موقع الدبشة عام 1997)، ترفع يدها سريعاً لأم حسن. تنحني لتتبرّك برفاق ابنها (إبراهيم وعلي في «بيت» واحد). تُكمل طريقها لتزور البقية... قبل العودة إلى سهيل.
تمرّ أمّ الشهيد
سهيل دياب، لتنحني وتتبرّك برفاق ابنها

تمسح أم حسن مرقدي أولادها. تتأكد مجدداً من إضاءة جميع الشموع. إلى جانبها، يجلس زوجها سامي مسلماني. لا يقل الرجل صلابة عنها. يستشعر الأسئلة التي قد تُطرح عليه، ليسأل ويجاوب: «ما شعوري وأنا أب لثلاثة شهداء؟ نحن تربّينا في منزل على ارتباط بثورة الإمام الحسين... كل أصحابه استشهدوا وهو كذلك. ماذا نفعل والحسين يطلب منّا النصرة؟ نحن نخوض المعركة ذاتها بالروحية ذاتها... نحن على هذا الخط».
مسيرة عرفها الحاج سامي منذ استشهاد والده ثم اثنين من إخوته في الاعتداءات الصهيونية على قرى الجنوب في السبعينيات. «اليوم أكرمنا الله فوق العادة، 3 من بيتي شهداء في حربين ضد الإسرائيلي والتكفيري... لم يعد انتهاك أعراضنا نزهة... دماء أبنائي والآلاف غيرهم فداء لهذه المسيرة، السيد حسن (نصرالله) هو الأمين على الدماء وهو الذي يعرف أول الناس كيف أنها لن تذهب هدراً»، يروي بفخر.
تُقاطعه الحاجة أم حسن، لتشير إلى أنّ هذه الدماء حفظت الأرض والأعراض. لم تنتبه إلى أن زوجها قال كلاماً مشابهاً. أجابت كأنها سمعت صوتاً من بعيد، لتعود إلى وجهَي إبراهيم وعلي. تقترب منهما لتضيء شموعاً إضافية. تلتفت سريعاً نحو حسن وتعطيه حصته من «الضوء»... تقرأ آياتٍ من القرآن. «بحاكيهم وبجاوبوني» تقول. نظرة أخيرة منها على طهارة ونظافة «الدار». كل شيء يَلمع كوجوههم: «في أمان الله أراكم الخميس المقبل».