ثلاثة لقاءات مصرفية احتلت المشهد أمس تحت سقف «العبوة» التي استهدفت المركز الرئيسي لـ«بنك لبنان والمهجر». مجلس إدارة جمعية المصارف عقد جلسة طارئة، ثم انتقل للقاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بحضور نوابه وبعض أعضاء لجنة الرقابة على المصارف. بعدها انتقل سلامة مع رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه إلى اجتماع في السرايا الحكومية بناءً على طلب رئيس الحكومة تمام سلام وبحضور وزير المال علي حسن خليل ومستشاره شادي كرم.جلسة مجلس إدارة جمعية المصارف كانت الأكثر صراحة، إذ شهدت انقساماً بين أصحاب المصارف حول هوية المتّهم بالتفجير وكيفية التعامل معه. بعض المصرفيين، وبلهجة حادة، اتّهم حزب الله مباشرة بالأمر، فيما حاول آخرون ردّ التهمة في اتجاه آخر... استمرّ النقاش لفترة قبل أن يتفق أعضاء مجلس الإدارة على إصدار بيان ذي لهجة مدروسة ومتواضعة بعيداً عن الاتهامات. البيان حمل في طياته تراجعاً من بعض المصرفيين عن مواقفهم السابقة تجاه التعامل مع آلية تطبيق القانون الأميركي، إذ أشار إلى أن المصارف «تعمل وفق أعلى الممارسات المهنية وضمن القواعد السائدة في الأسواق الدولية كما تخضع في لبنان للقوانين اللبنانية المرعيّة ولتعاميم مصرف لبنان حفاظاً على مصالح جميع اللبنانيّين»، مطالباً الأجهزة القضائية والأمنية «بالكشف عن الفاعلين كما نجحت في حوادث سابقة ما أكسبها بجدارة تقدير العالم أجمع».
يأتي هذا البيان ليكرّس الآلية الصادرة عن هيئة التحقيق الخاصة في «الإعلام رقم 20» التي كانت مرفوضة من «لبنان والمهجر» الذي ردّد أصحابه أكثر من مرّة أن الخضوع للقانون الأميركي يستوجب الخضوع لما تطلبه مصارف المراسلة الأميركية ما دامت ستكون المرجع الأخير في هذا الأمر. وهذا الكلام كان يعني أن المصارف اللبنانية "ليست ملزمة بالخضوع للآليات المحلية التي لا تحمي القطاع المصرفي من النفوذ الأميركي، ولم ينصّ عليها قانون النقد والتسليف أيضاً".
في النهاية حملت المصارف هذه الخطوة وذهبت للقاء حاكم مصرف لبنان ونوابه الأربعة: رائد شرف الدين، سعد عنداري، محمد بعاصيري، هاروت صامؤوليان. وحضر الاجتماع رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمّود وآخرون أيضاً. هناك قدّم المصرفيون قراءتين: الأولى تخلص إلى الاشتباه بحزب الله في عملية التفجير، والثانية تخلص إلى الاشتباه بطرف ثانٍ. القراءتان تتفقان على أن الرسالة واحدة بصرف النظر عن مصدرها، ومفادها أنه «لا استقرار من دون ضمانات للشيعة». بعض المصرفيين ذهب أبعد في التعبير عن هذا الوضع، إذ قال: «بدكن الاستقرار يا أميركان ما تدقوا بمصالح الشيعة».
تبلغت جمعية المصارف من أحد محاميها الأميركيين أنّ واشنطن لا تُدرج مراكز تربوية أو استشفائية على لوائحها

إزاء ذلك، أبلغت المصارف سلامة ببيانها الذي يقرّ بخضوعها للآلية الواردة في «الإعلام رقم 20». وبحسب مصادر مطلعة، فإن رئيس مجلس إدارة "بلوم بنك" سعد الأزهري، صرّح أمام سلامة بأنه ملتزم «القرارات التي تصدر عن هيئة التحقيق الخاصة». وطلبت المصارف من سلامة «فتح قناة اتصال مباشرة مع حزب الله».
المفارقة أن سلامة أوحى إلى المصارف بأنه مرتاح جداً، مشيراً إلى أن التفجير هو قمّة التصعيد، وبالتالي لن يكون هناك سقف أعلى من ذلك. وأبلغ المصارف أن «سوق القطع كانت هادئة مقارنة مع التوقعات ولم يحصل أي أمر استثنائي».
وكان رئيس الحكومة تمام سلام قد دعا إلى عقد اجتماع مع حاكم مصرف لبنان ووزير المال ورئيس جمعية المصارف. وبحسب مصادر مطلعة، فإن اللقاء كان سريعاً ولم يخرج عن إطار تداعيات التفجير. وقد سمع سلام من طربيه موقف المصارف واستنكارها للتفجير من دون أي اتهامات. أما سلامة فاسترسل في شرح موقفه على شاشة CNBC الذي استدعى ردّاً من كتلة الوفاء للمقاومة. وقال إن كلامه «اجتُزئ» وإن المقطع المنسوب إليه لا يأتي في سياق اتهام حزب الله بأنه فئة غير شرعية عاملة في لبنان تفسد القطاع المصرفي، بل يأتي في سياق مختلف لأن المقصود هو الفئات التي تعمل بشكل غير شرعي «فيما حزب الله شرعي ويعمل في لبنان بصورة علنية».
من جهة ثانية، كشفت مصادر قريبة من حزب الله أنه في صدد التقدم بورقة عمل إلى حاكم مصرف لبنان، لإزالة أي التباسات حيال تنفيذ التعاميم، وبعدما قال الحاكم للحزب إن مهلة الشهر المعطاة لهيئة التحقيق (للبت بطلبات المصارف تجميد حسابات أو إقفالها) هي وفق المعايير الدولية، لكنه أكد أنه سيلتزم الرد على أي طلب خلال هذه المهلة لا أكثر. ووفق هذه الرسالة، فإن حزب الله معنيّ بأن يجري تحويلها من تعهد شفهي إلى تعهد خطي، يلزم المصرف المركزي كما يلزم المصارف. وبالتالي لا يعود السؤال عن طبيعة الجواب، بل عن أهمية الجواب الذي يفترض بالمصارف التزامه.
كذلك ثمة نقطة أخرى تتعلق بأن تحترم المصارف كل القوانين المرعية، وعدم المزايدة على القوانين الأميركية التي لا تقول بإقفال حسابات جميع العاملين في مؤسسة قد تكون مدرجة على لوائح المنع الأميركية. وأن لا يصار إلى الاجتهاد، خصوصاً بعدما تبلغت جمعية المصارف من أحد محاميها الأميركيين الذي عمل لفترة سابقة كرئيس لـ"أوفاك"، بأن الإدارة الأميركية لا تدرج مراكز تربوية أو استشفائية على لوائحها، لأن في ذلك ما يستفز الرأي العام الأميركي نفسه.