في معظم ما قاربه النائب سليمان فرنجيه، في المقابلة التلفزيونية الاخيرة مساء الخميس، الاولى منذ اجتماع باريس مع انقضاء شهر عليه، يقلق حزب الله مقدار ما يطمئن شريكه الجديد في انتخابات رئاسة الجمهورية الرئيس سعد الحريري: تفادى الخوض في علاقته بالرئيس السوري بشار الاسد وتأثيرها عليه رئيساً محتملاً، بالقول تارة إنها شخصية مغلقة عليهما والقول طوراً إنه سيجعلها من دولة الى دولة، في مقابل استفاضة في التذكير بعلاقات تاريخية جمعت جدّه الرئيس سليمان فرنجيه بالسعودية وهي اليوم في ذروة المواجهة مع حزب الله. لم يمانع في بقاء القانون الحالي للانتخاب متى تعذر الاتفاق على قانون النسبية. تجنب كرئيس محتمل إبراز موقفه من سلاح حزب الله عندما عوّل على الجيش. لم تخلُ مواقفه من انتقاد مباشر لعون من دون أن يبدو أنه يحتاج، هو بدوره، الى تنازلات يقدمها اليه الفريق الآخر قوى 14 آذار. أفرط في الكلام عن تنسيق مسبق بينه والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حيال زيارته باريس وتفاهمه مع الحريري، بما يوحي بأن الحزب أطلق يده في التفاوض هناك، وفي كل ما انبثق منه.
بالتأكيد ربما كان نائب زغرتا في حاجة الى مواقف كهذه، بصراحته الموصوفة وصدقه وعفويته، وهو يفصح عن وضوح وجدية في المضي في خياره والحريري الذي حظي بنصيب إطراء غير مسبوق بينهما، عدّه فرنجيه "كيمياء" صارت تجمع بينهما. بل يستخلص فرنجيه من إصراره على الاستمرار في ترشيحه ــ وهو في الاساس أحد المرشحين الاربعة الطبيعيين منذ ما قبل الشغور الرئاسي بأشهر طويلة ــ فحوى ما توخاه من مقابلة الخميس: ها هو مرشح خارج مواصفات المرشحين الاربعة الكبار، وهو تحديداً مرشح ما اصطلح على تسميته تسوية الرئيس السابق للحكومة أو مبادرته، بشروط تختلف عن كل ما قيل في بكركي. لا حاجة به الى تنحّي سواه له. سقط ترشيحا الرئيس أمين الجميل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بإرادة الحريري، وفقد عون آخر آماله في حظوظه.
الى أين من ذلك كله؟
حزب الله: قانون الانتخاب وفق الاقتراع النسبي معادل فعليّ للطائف

قد يصبح من الصعوبة بمكان توقع اجتماع عون وفرنجيه مجدداً ما لم يكن نصرالله ثالثهم. وقد يكون من المبكر الحديث عن قطيعة جدية بين حليفين يضمّهما تكتل مسيحي عريض في مجلس النواب وتحالف وطيد مع حزب الله. وقد تكون عبارة فرنجيه أنه لن يتخذ أي خطوة تتصل بالاستحقاق بلا تنسيق مع حلفائه قاصداً بذلك حزب الله بالذات، الخيط الرفيع الوهمي الوحيد الذي لا يزال يربطه برئيس تكتل التغيير والاصلاح. مغزى ذلك أن حزب الله هو مَن سيكون في صدارة مواجهة المرحلة المقبلة من الاستحقاق، في ظل تمديد جديد للشغور الى أمد غير معروف.
بعض الاصداء الاولية التالية لما أدلى به فرنجيه الخميس، تمسك الحزب ــ وقد توقف ملياً عند الكثير مما سمعه ــ بشرطيه المتلازمين للخوض في الانتخابات الرئاسية: عون مرشحه الاول والوحيد، لا رئيس للجمهورية قبل تسوية على الملفات الشائكة العالقة بينه والفريق الآخر:
1 ــ من المبالغ به الظن بأن انتخاب الرئيس يعلو سلم أولويات ملفاته. من دون تسوية سياسية مسبقة، لا يسع حزب الله الركون الى عهد جديد وإن كان على رأسه حليف له. خبر تجربة الرئيس الحليف في خطاب القسم مع الرئيس ميشال سليمان عندما أكد فيه تمسّكه بالمقاومة، قبل أن يتخلى عن "المعادلة الخشبية" في آب 2013، قبل أكثر من سنة من نهاية ولايته. إلا أن شكوكاً كهذه في عهد جديد يبددها انتخاب عون دون سواه. وهي إشارة كافية كي يقرن أي تأييد لانتخاب فرنجيه رئيساً ــ عندما يصبح محتملاً ــ بإبرام التسوية تلك.
2 ــ من دون الثلث المعطل الذي حازه في ثانية حكومات ما بعد اتفاق الدوحة ترأسها الحريري عام 2009، لم يسع حزب الله تأكيد قوة تأثيره ودوره في مجلس الوزراء. قبل ذلك لم يعثر على طمأنة لسلاحه إلا في البيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2008 على إثر اتفاق الدوحة، بإدراج معادلة الجيش والشعب والمقاومة في متنه.
3 ــ يحتل قانون الانتخاب، ومطالبة حزب الله بالاقتراع النسبي خصوصاً، رأس أهدافه. لا يقايض به رئيس الجمهورية، بل يقارب موقفه منه على أنه ــ كما الاستحقاق الرئاسي ــ جزء لا يتجزأ من التسوية السياسية الشاملة التي يحض عليها. عندما تحدث نصرالله، لأيام قليلة سبقت اجتماع باريس بين الحريري وفرنجيه، عن تسوية سياسية شاملة تحت سقف التمسك باتفاق الطائف، كان يضع ــ تبعاً للمطلعين على موقف الامين العام ــ قانون الانتخاب وفق الاقتراع النسبي على أنه المعادل الفعلي لاتفاق الطائف، وفي أهمية موازية له.