أمس، أظهرت أجهزة السلطة جزءاً من وحشيتها. يوم المواجهات الطويل بدأ عند التاسعة صباحاً بتجمعات سلمية خجولة ليتحوّل سريعاً إلى موجة اعتقالات طالت أكثر من أربعين متظاهراً. الاعتقالات لم تكن بريئة، إذ كان واضحاً أن هناك مستهدفين محددين يجب إلقاء القبض عليهم. على ضوء القمع الممارس والاعتقالات المكثّفة عاد الناس الى ساحتهم في رياض الصلح، ساحة المواجهات الأولى مع السلطة حيث أُطلق الرصاص الحي والمطاطي والقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين وسقط عشرات الجرحى. يقول الناشط حسّان الزين إنّ «العودة الى ساحة رياض الصلح هي عودة الى بدايات الإشكالات التي انطلقت من هنا، ولنثبت للسلطة أننا لسنا خائفين».أثبت الناس والمجموعات أنهم لن يتخلوا عن أي متظاهر، فتوجهوا عند السادسة مساءً إلى ساحة رياض الصلح وأعلنوا اعتصاماً مفتوحاً الى حين إطلاق سراح جميع المعتقلين، وحصلوا على مرادهم عند العاشرة ليلاً بإطلاق سراح سامر مازح من مخفر الجميزة، آخر المعتقلين، أمس.
مئات المتظاهرين تجمّعوا هاتفين بشعار واحد: «ارحل يا مشنوق». هذه المرة لم يكن وزير البيئة محمد المشنوق المتهم الأساسي، بل أصبح وزير الداخلية نهاد المشنوق مُطالباً جدياً من قبل الناس بالاستقالة الفورية بسبب الوحشية التي مارسها عناصره الأمنيين ضد المتظاهرين.
تُجمع المجموعات على أنّ ما حصل أمس هو فصل جديد من الحراك مشابه لواقعة 22 آب، وبالتالي يتطلب الأمر الخروج بخطة سريعة وقوية لمواجهة السلطة التي كان واضحاً على ضوء الأحداث أنها قررت القضاء على الحراك.

يقول أمين عام اتحاد الشباب الديمقراطي عمر ديب «إننا كسبنا التحدي مع السلطة، وأثبتنا أنه لا يمكن قمعنا أو منعنا من التظاهر. فعلى الرغم من حملة الاعتقالات استمرت التحركات طوال اليوم، ما أربك السلطة. كذلك أثبتنا أنه في حال فكرت السلطة مجدداً في اعتقال متظاهرين، فإننا قادرون على تجييش الشارع وإغلاق الطرقات وتعطيل البلد الى حين إخلاء سبيل أي معتقل».
منذ ليل أمس بدأت المجموعات تتشاور من أجل تحديد الخطوات المقبلة، على أن يُعقد اجتماع موسّع اليوم لمختلف مجموعات الحراك لهذه الغاية. يرى المحامي نزار صاغية أنّه «منذ الصباح هناك محاولات حثيثة لضرب الحراك، بدأت بتوقيف شبان من مختلف المجموعات الأساسية في الحراك، تلاها هجومان كبيران من شبيحة بكل معنى الكلمة». يرى صاغية أنّ «المطالب لا تزال نفسها، لكن يوماً بعد يوم يتضح أن المعركة ليست معركة نفايات، بل هي معركة مواطن ضد زعيم».
حتّى ليل أمس، لم يُتخذ قرار بين المجموعات من أجل المطالبة باستقالة وزير الداخلية، على أن تتم مناقشة هذه النقطة في اجتماع اليوم. يقول الناشط في حملة «طلعت ريحتكم» وديع الأسمر إنه «ستتم مناقشة هذه المسألة كمجموعات، وقد أثبتت المجموعات أن التنسيق الذي يحصل بينها على الأرض ممتاز وجدي». لكنه يؤكد أنّ «المشنوق خسر الأهلية ليكون وزير داخلية، وإذا لم يكن قادراً على ضبط عناصره فليرحل. أمّا إذا كان هو من أعطى الأوامر بالاعتداء على المتظاهرين، يجب محاسبته.

مئات المتظاهرين تجمّعوا هاتفين
بشعار واحد:
«ارحل يا مشنوق»
المطلوب اليوم استقالة المشنوقين». كذلك يؤكد ديب أنّ «أبرز نتائج اعتقالات أمس هو وجوب المطالبة فوراً باستقالة نهاد المشنوق ومحاسبته».
خطة التحركات التي وضعها الحراك لهذا الأسبوع، والتي شملت اعتصاماً أمام مطمر الناعمة غداً وتظاهرة مركزية نهار السبت، ستناقش اليوم على ضوء الأحداث، مع توجّه لدى المجموعات الى حشد الناس نهار السبت بما يشبه تظاهرة 29 آب. يقول ديب إنّ «هذه الخطة قد تتغير، وسيتم التفكير بخطوات أسرع وأقوى لمواجهة هذه السلطة». أمّا صاغية فيرى أنّ «الرد على محاولة ضرب الحراك سيكون بالمستوى المناسب، وهو ما سيتقرر اليوم».
ويؤكد وديع الأسمر أنه «أصبح واضحاً أنه كلّما خفّ ضغط الشارع على السلطة تعود الى المحاصصة ومحاولة الالتفاف على الحراك عبر القرار الوزاري الذي اتخذ بشأن النفايات والدعوة الى طاولة الحوار من أجل الاتفاق على الناس»، لذلك فإن النقاش اليوم سيتركز أيضاً على وجوب تكثيف الضغط والتحركات وعدم تأجيلها من أسبوع الى آخر، كما حصل سابقاً.