وفي مقابل هؤلاء، يظهر جنود العدو محبطين من تكرار العودة إلى المناطق نفسها التي زعمت قيادتهم، قبل أشهر، الانتهاء من تطهيرها تماماً، بينما يرفض المئات من الجنود العودة مجدداً إلى القتال في غزة. بالنسبة إلى المقاومة، أظهر العدو، في الشهر الأول من العملية البرية في مناطق شمال غزة، أعلى مستويات الدموية، وأكثر ما يمكن تقديمه من زخم ناري على صعيد التمهيد والتمشيط والأحزمة النارية الكثيفة، فصار كل ما يمكن أن يفعله في أي منطقة يعود إليها، روتيناً يسهل امتصاصه والتأقلم معه. ولعل ذلك الواقع الذي تتبدّى ملامحه يوماً بعد آخر، يعقّد بالنسبة إلى جيش الاحتلال، فكرة مواصلة حرب سيكون الاستنزاف عنوانها، وفي خضمّها، تتآكل منجزاته التكتيكية، قبل أن تُترجم إلى انتصار سياسي يصنع فارقاً في حاضر الميدان ومستقبله.
صار كل ما يمكن أن يفعله العدو في أي منطقة يعود إليها، روتيناً بالنسبة إلى المقاومة
أما في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، فقد أظهر مقطع مصوّر آخر، نشره «الإعلام الحربي» في «سرايا القدس»، مشاهد لكمين آخر، بدا فيه مستوى العمق الذي تقدّم فيه المقاومون لزراعة حقل من الألغام في محيط المنطقة التي تتوغّل فيها الآليات العسكرية جنوب غرب المدينة، حيث فجّر المقاومون العبوات الناسفة، ثم أمطروا قوات الإسناد والنجدة التي تقدّمت لإجلاء القتلى والمصابين بوابل من قذائف الهاون النظامية. وفي مشهد آخر في المدينة ذاتها، كان مقاومو «كتائب القسام» قد ظهروا قبل أيام وهم يحفرون نفقاً من أسفل منزل، يقود إلى الطريق الذي تمر عليه دبابات الاحتلال، وزرعوا عبواتهم أسفلها. وتشير هذه المشاهد كلّها، إلى أن الحرب صنعت مجموعات مقاتلة، تماهت مع الميدان وكسرت آخر جدران الخوف والرهبة. وليست نتيجة كتلك هي ما كان يرغب جيش الاحتلال في رؤيته بعد كل تلك المجازر والحمم. فإرادة القتال وتطويع الواقع الميداني الصعب، يبشّران بأن العدو خسر حتى اللحظة على الأقل، معركة إرادة القتال.
على الصعيد الميداني، أعلنت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، أمس، تنفيذها عدداً من المهمات القتالية، إذ قالت «كتائب القسام» إن مقاوميها استهدفوا قوة متحصّنة داخل أحد المنازل في حي الشجاعية بقذيفة «تي بي جي» وأوقعوا أفرادها بين قتيل وجريح. كما أكدت «كتائب المجاهدين» خوض مقاوميها اشتباكات مباشرة مع جنود الاحتلال في شوارع الحي المذكور. وأبلغت «سرايا القدس»، بدورها، عن قصفها القوات المتوغّلة في الحي بقذائف الهاون، إلى جانب قصف حاجز «نتساريم» بوابل من القذائف والصواريخ القصيرة المدى. كذلك، أعلنت السرايا قصف قاعدة «إميتاي» العسكرية بصواريخ 107، فيما دكّت «كتائب شهداء الأقصى» تحشدات العدو في قاعدتي «رعيم» و«مفلاسيم» في غلاف غزة برشقات صاروخية مركّزة، وأعلنت «كتائب الشهيد أبو علي مصطفى» تمكّنها من قصف القوات المتوغّلة شرق حي الشجاعية بوابل من قذائف الهاون.
أما في محور القتال في رفح، فقد نفّذت «كتائب القسام» كميناً نوعياً، وذكر «الإعلام العسكري» التابع لها، في بيان، أن «مقاومينا تمكّنوا من استدراج قوة صهيونية إلى منزل مفخّخ تم استخدامه في عملية القنص الأخيرة شرق المدينة، وفور دخول الجنود إليه، تمّ تفجيره وإيقاع أفراد القوة بين قتيل وجريح». وأعلنت «سرايا القدس»، من جهتها، تفجير دبابة «ميركافا» محاطة بجنود العدو بقذيفة «آر بي جي» في جنوب غرب المدينة، فيما قالت «كتائب القسام» إن مقاوميها فجّروا دبابة «ميركافا» بعبوتي «العمل الفدائي» جنوب شارع الطيران في حي السلطان.