رام الله | بات معسكر «سديه تيمان» رمزاً للعنصرية والوحشية المدفوعة بالانتقام، لا بل يبدو أنه تفوّق، في أقلّ من 9 أشهر، على سجنَي «غوانتانامو» و»أبو غريب» في الإجرام، كما هو حال العدوان الذي يفتك بكل أشكال الحياة في قطاع غزة، انطلاقاً من قاعدة «لا بشر ولا حجر ولا شجر في القطاع، بريء». و»سديه تيمان» الذي فاحت رائحته النتنة أخيراً، من خلال شهادات الأسرى المُفرج عنهم، وبعض المؤسسات الحقوقية، هو في الحقيقة مسلخ بشري، يمارس فيه جنود الاحتلال كل أشكال وحشيتهم، الأمر الذي يفسّر استشهاد أكثر من 36 أسيراً فيه، في ظل غياب أيّ معلومات حول هذا المكان أو عدد المعتقلين والشهداء. ووصفت المؤسسات الحقوقية ومؤسسات الأسرى، «سديه تيمان»، بـ»الثقب الأسود الذي يبتلع البشر»، وذلك بعدما وثّقت العشرات من شهادات الأسرى المُفرج عنهم من غزة، وهو ما خلق جلبةً من جانب مؤسسات حقوق الإنسان كما وسائل الإعلام، لم ترقَ بطبيعة الحال إلى حجم الإجرام الحاصل فيه.وبعد 9 أشهر من افتتاح «سديه تيمان»، في أعقاب السابع من أكتوبر، أصدرت «المحكمة العليا» الإسرائيلية، الإثنين، أمراً إلى حكومة بنيامين نتنياهو بتقديم تفاصيل حول ظروف احتجاز المعتقلين من قطاع غزة، و»معالجة قضايا من مثل الوجبات (الغذائية)، والعلاج الطبي، والنظافة، وأساليب العقاب وظروف (استخدام) الأصفاد». ووفق صحيفة «هآرتس» العبرية، فإن «هذا القرار اتّخذه رئيس المحكمة العليا عوزي فوجلمان، والقاضيان دافني باراك إيريز، وعوفر غروسكوبف، ردّاً على التماس طالب بإغلاق سديه تيمان قدّمته جمعية حقوق المواطن في إسرائيل (أهلية) ومنظمات حقوقية أخرى». ونقلت الصحيفة عن المحامية روني بالي من «جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل»، قولها إن «الظروف في سديه تيمان غير إنسانية، ولا تصل إلى أدنى مستوى من الحبس بموجب القانون، ولا يمكن أن يستمر (هذا السجن) في العمل كمركز اعتقال للحظة أطول، وليس لاستقبال السجناء أو التحقيق معهم أو فرزهم أيضاً، فالسجن في سديه تيمان يمكن اعتباره جريمة حرب».
وسلطت الصحيفة الضوء على بعض ما يعانيه الأسرى في «المسلخ»، من خلال نشر رسالة كتبها طبيب مركز الاعتقال وَثّقت ظروف السجناء، حيث يتم إجبارهم على استخدام الحفاضات، فضلاً عن تقييد أيديهم بالأصفاد بشكل دائم، ما أدى إلى حالات بتر أطراف جراء جروح سبّبتها الأصفاد، علماً أن «هآرتس» كانت ذكرت، في كانون الأول الماضي، أنه يتم احتجاز المعتقلين في «سديه تيمان» معصوبي الأعين ومقيّدي الأيدي داخل مجمّعات مُسيّجة، يتعرّضون فيها لعنف شديد من قِبَل الجنود والمحقّقين، مشيرةً في حينه إلى أن 36 فلسطينياً لقوا حتفهم في هذا المعتقل. ويقع سجن «سديه تيمان» العسكري في النقب المحتلّ، على بعد خمسة كيلومترات شمالي مدينة بئر السبع، ويديره جيش الاحتلال ولا يتبع لسلطة السجون الإسرائيلية.
الأسرى يبقون لـ50 يوماً أو أكثر من دون أن يبدّلوا ملابسهم، وهم يتعرّضون لعمليات تعذيب وتنكيل واعتداءات، منها جنسية


ويُعدّ المحامي خالد محاجنة، من مدينة أم الفحم في الداخل الفلسطيني المحتلّ، أول محام وطأت قدماه معسكر «سدية تيمان»، ليكشف لوسائل الإعلام، عقب زيارته المعتقل، عن ظروف مأساوية يعيشها أكثر من ألف أسير من قطاع غزة هناك، من بينهم الصحافي محمد صابر عرب، الذي اعتُقل، قبل أكثر من 100 يوم، من مستشفى «الشفاء». ونقل محاجنة عن عرب، في زيارته التي استمرت 45 دقيقة، شهادات مروّعة، حيث «ينام الأسرى على الأرض من دون غطاء ومقيّدي الأيدي، كما أنهم معصوبو العيون على مدار الساعة، حيث لا يتمّ فك القيود الحديدية سوى مرّة واحدة عندما يُسمح لهم بالاستحمام لمدّة دقيقة واحدة فقط، والتي في حال تجاوزها السجين، يُعاقَب بطرق صعبة جداً». وبحسب شهادة عرب، فقد «تم اغتصاب الأسرى من قبل السجّانين، وعلى مرأى الأسرى الآخرين، فيما قضى ستة أسرى تحت التعذيب الشديد، إضافة إلى صنوف وحشية من التنكيل والإذلال وبتر الأطراف من دون تخدير». وأوضح عرب أن «الأسرى يبقون لـ50 يوماً أو أكثر من دون أن يبدّلوا ملابسهم، وهم يتعرّضون على مدار الوقت لعمليات تعذيب وتنكيل واعتداءات، منها جنسية، ومنها عمليات اغتصاب، أدت في مجملها إلى استشهاد معتقلين. كما أنّ عمليات الضرب والإهانات لا تتوقّف، ولا يُسمح لأيّ معتقل بالحديث إلى أيّ معتقل آخر، ومَن يتحدّث يتم الاعتداء عليه بالضرب المبرح».
ووفق شهادة المحامي والباحث القانوني، علام حجازي، أحد ضحايا التعذيب في معسكر «سديه تيمان»، والتي رواها عبر إذاعة «وطن»، فإنه اعتُقل في شهر تشرين الثاني الماضي، أثناء مروره مع زوجته وأبنائه من أحد الممرّات التي أعلن عنها الاحتلال في غزة، حيث تم التحقيق معه في محور «نتساريم» بعد تعريته من ملابسه، وتكبيل يديه وتعصيب عينيه ورميه في حفرة كبيرة مع المئات، حيث جرى إيهام عائلات هؤلاء بإعدامهم، ومن ثم نقلهم بعد ساعات إلى معتقل «سديه تيمان»، حيث مكث حجازي 18 يوماً قبل نقله إلى سجن النقب في ما بعد. وقال حجازي إن «المعسكر أصعب من سجنَي غوانتانامو وأبو غريب، فما يحدث فيه لا يمكن لعقل تخيّله، حيث يبقى الأسير مكبّل اليدين ومعصوب العينين طوال اليوم وجاثماً على ركبتيه لساعات طويلة وسط تعذيب وضرب متواصل، فكل أنواع وأشكال التعذيب النفسي والجسدي يتعرّض لها المعتقلون، ولا يسمح لهم بالدخول إلى الحمام ويُحرمون من المياه والطعام».