غزة | وسط ساحة مدرسة أحمد شوقي غرب مدينة غزة، تجمّع العشرات من طلبة الثانوية العامة، في اليوم نفسه الذي كان من المقرّر أن يشهد أول اختبارات هذه السنة المفصلية في حياتهم. العشرات من المقاعد الفارغة، والعديد من المقاعد الأخرى التي كُتبت عليها أسماء بعض الشهداء الطلاب، والذين هم في تلك المدرسة خمسة من أصل 5881 طالباً وطالبة ارتقوا شهداء خلال الحرب، 450 منهم من طلبة الثانوية العامة. هذا ما تشير إليه اللافتات التي أمسك بها الطلاب الذين جاؤوا ليرثوا زملاءهم ومستقبلهم معاً. أُذيع النشيد الوطني، واصطفّ الجميع بينما مسحة خشوع الفاقدين تحيط بهم. انتهى النشيد من دون أن تبدأ تمارين الصباح، ولا الإذاعة المدرسية. وقفت شهد القريوتي، وحكت للجميع كم كانت هذه السنة قاسية، وكم فقدت من أعزاء وأحباب، وكم تمنّت، مع 39 ألف طالب وطالبة في القطاع، حُرموا من الجلوس على مقاعد الدراسة والتقدّم للاختبارات، أن تجتاز هذه العتبة المهمة في الحياة. تقول شهد لـ«الأخبار»: «في مثل هذا الصباح، كان من المفترض أن ترافقني أمي إلى أول اختبار. أجواء العائلة التي عايشتها في السنوات التي تقدّم فيها إخوتي الكبار لامتحانات التوجيهي، جميلة جداً. يُفرض حظر للتجوال في المنزل، ويُمنع الصوت المرتفع، ويكون الطعام خاصاً، فضلاً عن الدعاء وصلاة قيام الليل من الجميع لكي يمنّ الله علينا بالتوفيق. كل شيء تغيّر هذا العام. قصفوا المدارس، وما تبقّى منها تحوّل إلى مراكز إيواء. دمّروا كل جامعات القطاع. كل طلاب القطاع يشعرون بالضياع، وبفقدان الحافز للاستمرار في هذه الحياة».
أما فاطمة قنديل، وهي مديرة إحدى المدارس الثانوية في القطاع، فحكت لـ«الأخبار» عن طقوس هذه الفترة المفقودة، وقالت: «أهل غزة عموماً يضعون التعليم في أعلى سلّم أولوياتهم. كل المنظومة الحكومية والأهلية والمجتمع يتكاتفون في هذه الفترة لتمرير موسم اختبارات الثانوية. تُمنع الحفلات في الأماكن العامة، وتُؤجل الفعاليات العائلية لدى الأسر التي يتقدّم أحد أبنائها إلى امتحانات التوجيهي، ويُسخّر كل شيء لخدمة أبنائنا الطلبة. لقد قتلوا كل ذلك. طوال عام دراسي كامل ونحن نحاول إيجاد حلّ للآلاف من طلبة القطاع. لم يتركوا مدرسة سليمة، ولم يسمح الاحتلال بتوفير أي جو من الاستقرار الميداني لصناعة بيئة تعليمية هادئة ومقبولة، فضلاً عن الآلاف من الشهداء من المدرّسين. لقد أوصل جيش الاحتلال رسالته في قصفه مبنى وزارة التربية والتعليم. يريدون القضاء على كل أشكال الحياة».
جيش الاحتلال دمّر أكثر من 250 مدرسة في شمال القطاع، وخمس جامعات مركزية


إلى جانب المقاعد التي تحمل أسماء الشهداء الطلاب، جلس رمزي قاسم، وهو طالب في الثانوية العامة أُصيب بشظايا قذيفة هشّمت قدميه، وأقعدته على كرسي متحرّك. يقول لـ«الأخبار»: «أُصبت واضطررت لتركيب أسياخ من البلاتين في قدميَّ الاثنتين، وخلال نزوحنا المتكرّر، كنت أحمل كتبي وحقيبتي المدرسية. كان لديّ أمل في إمكانية العثور على حلّ يحول دون حرماننا من تقديم الاختبارات. حتى الشهر الأخير الذي سبق بداية الامتحانات، ظللت أتصرّف على أساس أنني سأتقدّم إلى تلك الاختبارات، لكن أملي خاب، والعالم الحر بأسره مُطالب بالتدخّل لوقف هذه الإبادة».
جدير بالذكر، أن جيش الاحتلال دمّر منذ بداية الحرب أكثر من 250 مدرسة في شمال القطاع. كذلك، دمّر خمس جامعات مركزية هي، «الإسلامية» و«الأزهر» و«الأقصى» و«فلسطين» و«الإسراء»، فضلاً عن عشرات الفروع في شمال القطاع وجنوبه. ويقدّر مصدر في وزارة التربية والتعليم، تحدّث إلى «الأخبار»، أن إمكانية استعادة الحياة التعليمية في غزة في حال توقّفت الحرب، تُعد أمراً مستحيلاً، حتى بعد عام كامل من الآن، بالنظر إلى تحويل كل المدارس المتبقّية، سواء منها الحكومية أو تلك التابعة لوكالة «الأونروا»، إلى مراكز إيواء تسكنها الآلاف من الأسر التي فقدت منازلها، هذا إلى جانب الاستهداف المتعمّد للكوادر التربوية ومنظومة التربية برمّتها.