غزة | يواجه جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة أزمة وقود حادّة، فيما باتت طواقمه البشرية مستنزفة ومعداته متهالكة. ومع ذلك، فهو لا يتوقف عن العمل في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع، منذ السابع من أكتوبر الماضي. ويقول المتحدث الرسمي باسم «الجهاز»، الرائد محمود بصل، في حديث إلى «الأخبار»، إن «الدور الأساسي لعمل طواقم الدفاع المدني في الوضع الطبيعي هو التدخل وقت الأزمات والكوارث»، فيما أصبح في الوضع الحالي في غزة «مختلفاً تماماً نتيجة كثافة الأحداث والاستهدافات، حيث تمّ استنفار جلّ الطواقم الموجودة في الميدان، وتحوّل مستوى الجهوزية إلى حالة الطوارئ». ويشير إلى أن الجهاز «يعمل على مدار الساعة لتلبية نداءات استغاثة المواطنين الذين يتم استهدافهم من قبل قوات الاحتلال، وكذلك في البحث عن ضحايا المقابر الجماعية وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين». ويلفت إلى أن الطواقم تواجه «صعوبات جمّة نتيجة استهداف الاحتلال لكوادر الدفاع ومعداته وسياراته»، محذّراً من أن ذلك سيؤدي إلى «كارثة وجريمة بحق الإنسانية».ومنذ ما قبل الحرب، كان الجهاز يعاني من قلة الإمكانات؛ إذ إنه يعتمد في عمله على سيارات متقادمة تجري صيانتها بشكل دائم، وذلك بسبب منع الاحتلال إدخال سيارات جديدة إلى القطاع، ليأتي العدوان ويجهز على ما تبقّى لديه من إمكانات، الأمر الذي صعّب من «أداء عملنا، خاصة أن هذه الحرب تختلف عن سابقاتها من الحروب، من حيث الأهداف ونوعيتها وكمية الأسلحة المميتة المستخدمة فيها». ويوضح أنه «حدث عدة مرات، وأثناء توجّهنا إلى المهمة، أن تعطّلت سيارة الدفاع المدني، ما أدى إلى خروجها من الخدمة لعدم وجود محالّ للصيانة في الوقت الحالي، فضلاً عن نقص الوقود الذي تسبب بتوقف سيارة أخرى عن العمل، ودفع بفريق الدفاع المدني إلى ركوب سيارة مدنية ومن ثم الوصول سيراً على الأقدام»، علماً أن «الجهاز بحاجة يومياً إلى 300 ليتر وقود كي يستطيع ممارسة مهامه».
ويشير بصل إلى أن «الخروج إلى المهام أصبح محدوداً ومحسوباً بكمية الوقود المتوفّرة لدينا»؛ ولذا، «عند وصول بلاغ، لا نتحرك قبل أن نعرف ما إن كان هناك أحياء أو شهداء فقط». ويضيف أن من بين الصعوبات التي تواجههم أثناء العمل «عدم توفر معدات تخصصية لإنقاذ وانتشال المصابين كجهاز كاشف الأحياء تحت الأنقاض»، قائلاً: «نسمع أصوات الآلاف من المصابين واستغاثاتهم من تحت الأنقاض، ولكن بعد لحظات من البحث والحفر يختفي الصراخ، ورغم ذلك نكمل المهمة لنجد أن المصاب فارق الحياة». ويؤكد أنه «لو كانت لدينا كل مستلزمات الإنقاذ، لاستطعنا إنقاذ الكثير من المصابين»، لافتاً إلى أن «آخر تلك النداءات كان من شخص نجا فيما عائلته المكوّنة من 30 شخصاً ما زالت تحت الأنقاض».
طواقم الدفاع المدني قدّمت 70 شهيداً و200 جريح منذ السابع من أكتوبر


وحول استهداف الاحتلال لطواقم الإسعاف والكوادر الطبية، يلفت بصل إلى أن «هناك تعمّداً واضحاً في استهداف كل من يقدّم الخدمة لإنقاذ حياة المواطنين، سواء كان الدفاع المدني أو الكادر الصحي أو الإسعاف، وتدمير مقدراتهم وإمكاناتهم لإخراجهم من الخدمة»، مستشهداً على ما سبق بالقول إن «غزة وحدها كانت فيها 15 سيارة دفاع مدني، لم تتبقَّ منها سوى 3 سيارات، وما تبقّى تمّ تدميره بالصواريخ وهو في الموقع أو ميدان العمل، فضلاً عن تدمير الحفارات والجرافات وقتل سائقيها لمنع إنقاذ المصابين». ومن بين السيارات التي دُمرت، «سيارة العيادة الكبيرة للإسعاف والطوارئ، وسيارة السلم الهيدروليكي التي تفوق تكلفتها المليون دولار، وهي واحدة من سيارتين فقط في القطاع». ويتابع أن طواقم الدفاع المدني قدّمت 70 شهيداً و200 جريح منذ السابع من أكتوبر، فيما «لم تسلم عائلات الطواقم من الاستهداف أيضاً». ويلفت النظر أيضاً إلى الانعكاس النفسي على الطواقم؛ «فكل يوم نتعامل مع جثامين شهداء وأطفال ونساء مبتوري الرؤوس والأطراف، أو أحشائهم خارج أجسادهم. وفي بعض الأحيان يبكي الشباب بشكل لا إرادي من هول ما يرون من فظائع وجرائم بحق الإنسانية».
ورغم أنه يقع على عاتق «الصليب الأحمر الدولي» التنسيق بين جهاز الدفاع المدني والطرف الإسرائيلي، كي يتمكن الجهاز من الوصول إلى الحالات التي تكون تحت سيطرة الاحتلال، «يرفض الاحتلال في بعض الأحيان التنسيق مع «الصليب الأحمر»»، وفقاً لبصل، الذي يضيف أن(نا) «نشعر أن التنسيق كان مسموماً بسبب استهداف الاحتلال لطواقمنا والهلال الأحمر، مثلما حدث مع الطفلة هند في المنطقة الصناعية، حيث تمّ قنص سائق الإسعاف واستهداف سيارة الدفاع المدني بصاروخ استطلاع عند وصولهما إلى المنطقة المنسّق لها لإنقاذ وانتشال المصابين». وإذ يؤكد أن «الدفاع المدني جهة إنسانية ولا علاقة لنا بأي تجاذبات سياسية بالمطلق»، يتساءل: «لماذا يُمنع عنا الوقود ولماذا تُستهدف طواقمنا وتُدمّر مقدراتنا؟». وفي السياق، يناشد بصل المؤسسات الدولية والأممية توفير المعدات اللازمة والسيارات والوقود وإعادة بناء جهاز الدفاع المدني من الصفر، مطالباً إياها بالعمل على توفير تلك الاحتياجات بشكل عاجل وفوري وبتوفير حصانة لطواقم الدفاع المدني، ومحذّراً، في الوقت نفسه، من خطورة الوضع الإنساني في قطاع غزة، نتيجة استمرار الحرب وانعدام الإمكانات التي لا بدائل منها.