رام الله | لا تزال مدينة جنين ومخيمها نقطة ارتكاز لعمليات جيش العدو العسكرية والاستخباراتية، والتي تكثّفت في الأسابيع الماضية، وبلغت ذروتها الخميس، باقتحام كبير من قبل قوات الاحتلال للمدينة. ويعتمد العدو، في هذه العمليات، ابتداءً، على تسلل القوات الخاصة، تمهيداً لتنفيذ تلك العسكرية لاحقاً، وتنفيذ هجمات سريعة قدر الإمكان، تهدف إما إلى اغتيال مقاومين أو اعتقالهم، على غرار ما جرى أخيراً في مدينة نابلس، عندما اغتيل المقاوم آدم فراج. لكن هذا التكتيك لا ينجح في كل مرة؛ إذ لطالما اكتشف المقاومون القوات الخاصة باكراً، واشتبكوا معها أو أوقعوها في كمين، مثلما جرى أول من أمس في جنين. فبعد اكتشاف المقاومين تسلّل قوات خاصة إلى محيط المخيم، ومهاجمتهم إياها والاشتباك معها وإيقاعهم خسائر في صفوفها، حسبما أكّدت «كتيبة جنين» و«كتائب القسام» و«شهداء الأقصى»، اضطر جيش العدو للدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة والزجّ بطائرات مروحية حربية للمشاركة في القتال، وهو ما يحدث للمرة الثالثة في الضفة منذ السابع منذ أكتوبر.كذلك، حاصرت قوات الاحتلال منزلاً داخل المخيم، وقصفته بقذائف «الأنيرغا»، بينما أطلقت الرصاص على محوّل الكهرباء الرئيسي، ما أدى إلى انقطاع التيار. أيضاً، حاصرت تلك القوات مستشفيات المدينة، ومنعت طواقم الإسعاف من نقل المصابين أو من التنقل، كما الصحافيين من التغطية وأطلقت عليهم الرصاص الحي. وبالتوازي مع ذلك، شهدت محاور عديدة في مدينة جنين ومخيمها اشتباكات وُصفت بالعنيفة، فجّر خلالها المقاومون عبوات ناسفة محلية الصنع طيلة فترة الاقتحام. وعقب انتهاء العدوان، شيّعت جماهير جنين، الخميس، ثلاثة مقاومين استشهدوا أثناء التصدي لقوات الاحتلال، وهم إبراهيم السعدي، وعيسى جلاد، وعدي مرعي، بينما جرى نقل 15 إصابة إلى المستشفى لتلقّي العلاج.
وتُعدّ عملية الاقتحام في جنين، والتي استمرت عدة ساعات، نموذجاً لما باتت عليه الضفة الغربية، التي تعيش مدنها ومخيماتها اقتحامات متشابهة بشكل شبه يومي، في حرب استنزاف شاملة تتصدى لها مجموعات المقاومة الصغيرة نسبياً في بعض المناطق، لتسبّب، رغم ضعف إمكاناتها ومواردها، قلقاً عميقاً للمنظومة الأمنية الإسرائيلية. ولطالما شكّلت الضفة خاصرة رخوة للاحتلال ومستوطنيه، لا بل يُنظر إليها على أنها ساحة المواجهة الاستراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل، والتي تريد الأخيرة حسمها لصالح المشروع الاستيطاني الصهيوني، وهو ما تترجمه من خلال مساعيها إلى اجتثاث كل محاولة أو نموذج مقاومة قد يظهر هناك مهما كان حجمه، وهو ما تلقى فيه دعماً أميركياً وغربياً، تجلّى آخر مظاهره في فرض الخارجية الأميركية، الخميس، عقوبات على مجموعة «عرين الأسود» التي تتخذ من مدينة نابلس مقراً لها، على خلفية اتهامها بالمسؤولية عن تنفيذ عدد من الهجمات على مستوطنات إسرائيلية، وعلى قوات الاحتلال، بين أيلول 2022 ونيسان الماضي.
تبدو فرصة انفجار الأوضاع برمّتها في الضفة أقوى من أي وقت مضى، وسط إمكانية انهيار السلطة مالياً


وإزاء الواقع الميداني المشتعل، تبدو فرصة انفجار الأوضاع برمّتها في الضفة أقوى من أي وقت مضى، وسط إمكانية انهيار السلطة مالياً وفقاً لتحذيرات الأخيرة نفسها وتقييمات غربية، منها أميركية وإسرائيلية. وفي السياق، كشفت وسائل إعلام عبرية عن «وثيقة تحذير» قدّمتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية (الجيش والشاباك) إلى المستوى السياسي، جاء فيها أنه بسبب «الوضع الاقتصادي المتدهور» لدى السلطة الفلسطينية، «يوجد تخوّف من اندلاع انتفاضة ثالثة» في الضفة، التي من شأنها أن تتحول «من حلبة ثانوية إلى حلبة مركزية في الحرب». وعزت الوثيقة أحد أسباب التدهور الاقتصادي إلى رفض وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، تحويل مستحقات المقاصّة إلى السلطة الفلسطينية، منذ شهرين، فضلاً عن قرار الحكومة الإسرائيلية وقف دخول العمال الفلسطينيين من الضفة للعمل في الداخل المحتل منذ بداية الحرب على قطاع غزة، مشيرة إلى أن هذا الوضع من شأنه أن «يدفع فلسطينيين كثيرين إلى الإرهاب، في الوقت الذي تضخ فيه جهات مثل إيران أموالاً بمبالغ طائلة إلى الضفة، وتجنّد من خلالها عناصر وتشجّع الإرهاب».
وفي الاتجاه نفسه، اعتبر مسؤول أمني، في حديث إلى إذاعة جيش الاحتلال، أن «الشخص الذي يحتاج إلى العيش ويسعى للحصول على الخبز، ويقترح الإيرانيون عليه ألف شيكل مقابل تنفيذ عملية، لن يفكر مرتين». ونقل موقع «يديعوت أحرونوت»، بدوره، عن مسؤول أمني قوله إن «انهيار السلطة يمكن أن يؤدي إلى فوضى، وتقويض الاستقرار الحالي، من الناحية الأمنية وكذلك المنظومة المدنية. والوضع الأسوأ الذي يمكن أن نصل إليه هو أن تتوقف المستشفيات عن العمل ونضطر إلى إدخال فلسطينيين للعلاج في مستشفيات إسرائيلية».
وفيما أعلنت الحكومة الفلسطينية عن صرف 50% من راتب شهر نيسان لموظفيها يوم الأحد المقبل، يشير مراقبون وخبراء اقتصاديون إلى أن الحكومة لن تستطيع صرف أي نسبة من رواتب موظفيها الشهر المقبل، في ظل رفض البنوك منحها أي قروض، كونها فاقت «الحد الأعلى» المحدّد للاقتراض، بينما نقلت «القناة الـ14» الإسرائيلية عن مسؤول في السلطة، رفض الإفصاح عن هويته، قوله إن «الانهيار المالي للسلطة ممكن تماماً حتى في غضون أسابيع قليلة».
ويأتي هذا في وقت حذّرت فيه الولايات المتحدة، إسرائيل، من أن الأخيرة ستشهد تأثيراً سلبياً «هائلاً» إذا انهارت السلطة الفلسطينية، وسط مواصلة الضغط لحثّها على التراجع عن منع تحويل عائدات الضرائب إلى الفلسطينيين. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، للصحافيين، الخميس: «أوضحنا لحكومة إسرائيل في بعض المحادثات المباشرة أنه لا يوجد شيء يمكن أن يتعارض مع المصالح الاستراتيجية لإسرائيل أكثر من انهيار السلطة الفلسطينية». وأضاف أن سلطة رام الله «ساعدت في الحفاظ على الاستقرار في الضفة الغربية، حتى مع احتدام الحرب في قطاع غزة».