غزة | ما إن بدأت إسرائيل عدوانها على غزة، في السابع من أكتوبر، حتى دخل القطاع في أزمات متتالية، من بينها أزمة المياه التي لم تَعُد تتوافر إلّا بشق الأنفس، بعدما دمّر الاحتلال شبكات المياه الأرضية والبنى التحتية وبعض محطّات التحلية، فيما منع إدخال الوقود إلى المحطّات التي لا تزال تعمل. ويصف محمد شريف (15 عاماً) معاناته في الحصول على المياه، بالقول لـ«الأخبار»: «نعاني كثيراً من أزمة المياه، التي بالكاد نستطيع الحصول عليها. أَخرج من الساعة السابعة صباحاً وأسير مسافة طويلة وأنا أحمل الغالونات، ثم أقف في طابور طويل تحت أشعة الشمس الحارقة كي أحصل على غالونَي مياه». ويوضح أن نصف يومه يمضي وهو يقف في الطابور للحصول على مياه سيكون عليه أيضاً نقلها إلى المنزل، علماً أنها «بالكاد تكفي»، وذلك رغم «محاولة أمّي التقليص من استخدامها، إذ لم يَعُد الاستحمام يومياً ولا تغيير الملابس ولا شطف البيت متاحاً». ويضيف: «قبل أشهر، وقفت في طابور من الساعة الخامسة فجراً وحتى الثانية من بعد الظهر كي أحصل على غالون مياه بئر. أمّا اليوم، فقد أصبحنا نطارد العربات ونتنقل من مكان إلى آخر كي نظفر بغالون واحد».من جهته، يقول ساجد، ابن الخمسة أعوام، بينما يحمل في يديه غالونَي مياه يعادلان ثمانية لترات: «استشهد بابا في الحرب، وأنا بساعد ماما وبحمل معها الميّ حتى نعيش وننظّف البيت»، فيما تشرح والدة الطفل، في حديث إلى «الأخبار»، «(أنني) أرسل أطفالي ليأخذوا دورهم في طابور المياه التي نحصل عليها من إحدى العائلات في المنطقة، حيث يتوافر لديهم بئر مياه ولوحات طاقة شمسية لتشغيل الغاطس، وبعدها يحمل كل على قدر استطاعته، ونسير بها مسافة طويلة لننقلها إلى شقّتنا في الطابق الخامس». وتضيف: «تعبت، تعبت كثيراً من نقل المياه الذي هدّ جسدي وأصاب بالآلام ظهري، رغم محاولاتي الحثيثة ترشيد استهلاك المياه».
كل مواطن في قطاع غزة بالكاد يصل إلى ما بين 3 إلى 15 ليتراً من المياه يوميّاً


وبالقرب من مسجد بئر السبع في حي الشيخ رضوان، تقف عربة مياه صالحة للشرب، ومن خلفها طابور كبير من حاملي الغالونات. تقول ماريا سمور (11 عاماً) بينما تأخذ دورها في الطابور: «هذه المرّة الثانية التي أقف فيها خلال النهار، لأنّني في المرة الأولى عندما وصل دوري، فرغت العربة من المياه الحلوة وعدتُ من دون أن أحصل على شيء». أمّا أم محمد (40 عاماً)، فتشير، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى «(أننا) انقطعنا من مياه الشرب، ولم أحتمل شرب المياه العادية لشدّة ملوحتها، بقيت ثلاثة أيام من دون مياه حتى جفّ ريقي وأصبحت أعاني صعوبة في البلع». وتلفت إلى أنه رغم توافر المياه اليوم، إلا أن المعاناة لا تزال مستمرّة؛ إذ إن الكميات المتوافرة لا تكفي حاجتنا، كما أن «المياه المالحة التي ينقلها زوجي وابني من مسافات بعيدة، أحتار هل أستخدمها في غسل الأواني أم الملابس أم في قضاء الحاجة والاستحمام؟».
ولا يختلف حال شريف سمور (41 عاماً)، الذي يشير إلى «(أننا) كنّا نبحث في المؤسسات الحكومية عن بواقي المياه التي تركها الموظفون قبل الحرب، بقينا أسبوعين نشرب مياه مالحة لا تصلح للاستخدام الآدمي. وفي إحدى المرات، وجدنا مياه أمطار تطفو على وجهها حشرات وديدان، رفعناها وقمنا باستخدامها للشرب». ويتابع سمور: «كل مرحلة من النزوح لها معاناتها مع المياه، حتى وصل بنا الحال إلى أن يكون الاستحمام مرة في الشهر... وهكذا، ننتقل من حيّ إلى آخر لنحصل على غالون أو اثنين، وأصبح الواحد منّا يشتهي أن يغتسل أو يستحمّ من الصنبور مباشرة من دون عناء نقل المياه وحمْلها إلى الطوابق العليا».
ووفقاً لآخر الإحصاءات التي أَعلن عنها الجهاز المركزي للإحصاء وسلطة المياه في فلسطين، فإن كل مواطن في قطاع غزة بالكاد يصل إلى ما بين 3 و15 ليتراً من المياه يوميّاً. ووفقاً لبيان مشترك نُشر على صفحة المركز، «يُقدّر إجمالي حجم المياه المتوافرة حالياً بما بين 10% و20% من حجم المياه التي كانت متاحة في القطاع قبل الحرب، وهذه الكمية غير ثابتة وتخضع لتوافر الوقود، كما تسبّبت الحرب في وقوع آثار كارثية على البنية التحتية للمياه، وشبكات المياه ومصادر إمدادات المياه بشكل عام، إذ دمّرت الحرب حوالى 40% من شبكات المياه وتعطّلت المضخات الرئيسية بسبب القصف أو بسبب نفاد الوقود». ومن جهتها، حذّرت «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، الثلاثاء، من أن ندرة الوقود في غزة تسبّبت في إغلاق محطّات تحلية المياه، وأنه ليس لدى الناس ما يكفي من المياه، وأصبح البقاء على قيد الحياة تحدّياً كبيراً. وأشارت إلى أن توقّف تلك المحطات يجبر العائلات، بما في ذلك الأطفال، على السير لمسافات طويلة للحصول على المياه، مطالبةً سلطات الاحتلال بـ«تسهيل الوصول إلى المياه بشكل فوري».