غزة | بعد 240 يوماً على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يتّجه عدد من المحللين الإسرائيليين إلى تعميم مفهوم جديد لفكرة «الإنجاز»، يقفز على إمكانية القضاء على كامل العنصر البشري للأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، إلى تقليص ما يمتلكه المقاومون من السلاح، وصولاً إلى الحدّ الذي يجبرهم على الاقتصاد في إنفاق الذخيرة، ما يؤثّر على حدّة عملياتهم وفعاليتها. وبيت القصيد في هذا الطرح، هو التسويق لـ«الإنجاز الكبير» المتمثّل في السيطرة على 90% من «محور فيلادلفيا»، وما رافقه من حديث عن كشف 12 نفقاً حدودياً تربط بين مدينة رفح وشبه جزيرة سيناء المصرية، زعم المتحدث باسم جيش العدو أنها كانت تُستخدم لأعمال التهريب. ومن باب تضخيم «الإنجاز» الميداني الذي يقول جيش العدو المُستنزَف إنه حقّقه في مدينة رفح، عمد محللون عسكريون إسرائيليون إلى اعتبار تلك الأنفاق شريان الحياة الرئيسي الذي يمدّ المقاومة بقدراتها العسكرية، وأن الإمساك بها سيُدخل الأخيرة في مرحلة «الموات اللوجستي». غير أن الواقع يقدّم مؤشرات مغايرة تماماً، حيث أثبتت معركة جباليا، مثلاً، أن ثمة فائضاً في الكادر البشري، واندفاعة هائلة من المقاومين، أجبرت القيادة الميدانية للمقاومة على إصدار أوامر إخلاء للمقاتلين الذين لا دور لهم من تحت النار. وفضلاً عن عديد المقاومين الذين تفيض بهم وحدات النخبة، فإن إمكانية التعويض المستمرّة لخسارات الصف القيادي المتوسّط، ساهمت في المحافظة على جسم هيكلي متين لم تؤثّر فيه الضربات والاغتيالات.
المخزون اللوجستي للمقاومة كبير جداً ويستمر بناؤه منذ عام 2005


أما من الناحية اللوجستية، فالحديث لا يجري عن معركة تمّ الإعداد لها قبل عام أو عامين، وإنما عن مخزون لوجستي يستمر بناؤه منذ عام 2005، حيث لم تتوقّف مذّاك ورش التصنيع عن إنتاج البدائل وتطوير الأدوات القتالية التي تناسب طبيعة الميدان. وأظهرت بقايا الأسلحة المستخدمة في المعركة، أن هناك أجيالاً من العبوات الناسفة، لمع نجمها في ذروة الانتفاضة الثانية عام 2002، استُخدمت خلال التصدّي للتوغل الأخير في جباليا. ويقدّر مصدر مقرّب من المقاومة، تحدّث إلى «الأخبار»، أنه منذ عام 2012، سُجلت نقلة نوعية في خبرات التصنيع وكمية ما يمكن إنجازه في اليوم الواحد. ويلفت إلى أن معامل المقاومة عملت على نحو يومي، على مراكمة كميات كبيرة من السلاح المحلي، من مثل قذائف الهاون والعبوات الناسفة والصواريخ القصيرة، وأيضاً قذائف الـ«تاندوم» والـ«تي بي جي»، ما يعني أن مجمل ما استخدمته المقاومة خلال ثمانية أشهر من القتال، لا يتجاوز ما صنعته خلال عامين ونصف عام على الأكثر. هذا كله بالإضافة إلى ما استطاعت تهريبه من منافذ القطاع المختلفة.
على الصعيد الميداني، وعلى رغم أن قوات الاحتلال وسّعت تمدّدها وانتشارها الميداني في العمق الشرقي في مدينة رفح، ولا سيما أحياء خربة العدس ومحيط دوار العودة وبلدية المدينة، والأطراف الغربية منها، وتحديداً حي تل السلطان، فإن بلاغات المقاومة تشير إلى أن جيش العدو لم ينته من "تطهير" الأحياء الشرقية من المدينة، وتحديداً شارع جورج ومناطق مسجد التابعين وحي الشوكة والسلام. وشهد اليومان الماضيان تنفيذ العشرات من المهمات القتالية، التي تنوّعت ما بين تفجير الدبابات والعبوات الناسفة وتنفيذ الكمائن القاتلة، وقذائف الهاون والصواريخ التكتيكية. كما أعلنت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة المختلفة عن نحو 44 مهمة قتالية تمّ تنفيذها خلال 72 ساعة، فيما اعترف جيش الاحتلال بإصابة 46 جندياً، إصابات 4 منهم بالغة الخطورة.