بعد ثمانية أشهر على اندلاع معركة «طوفان الأقصى»، لا يزال العدو الإسرائيلي عالقاً في رمال غزة المتحركة. لكن الأمر لا يقتصر فقط على الميدان العسكري، بل يتخطّاه إلى الميدان الإعلامي. منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، انبرت الوسائل الإعلامية المهيمنة في الغرب، والعربية المتواطئة، على أبلسة المقاومة وشنّ حملة قامت على نشر الشائعات وتشويه الحقائق بهدف التغطية على الإبادة الإسرائيلية وتبريرها بل التشجيع عليها، إلى جانب محاصرة كل صوت يسوّق للسردية الفلسطينية. رأينا مثلاً كيف أقدمت «دوتشيه فيليه» الألمانية و BBC البريطانية وغيرهما على صرف عدد من الموظفين بسبب تغريداتهم الموالية للمقاومة. باختصار، لقد أحدث «الطوفان» هزّةً في وعي العالم، بعدما عرّى كل الشعارات التي رفعها إعلام الغرب «الديموقراطي» حول حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير. ورغم استمرار العدوان وانسداد أفق الهدنة، إلا أن انعكاساته ستتضح أكثر على الساحة الإعلامية العربية والخليجية، عبر ظهور قنوات جديدة في المرحلة المقبلة ستكون ذات أجندة «ترفيهية» لكنها في الواقع سياسية، تهدف إلى كيّ الوعي والتطبيع مع الوجود الصهيوني في المنطقة.
(نهاد علم الدين)

بعدما خسرت إسرائيل معركتها الإعلامية في صفوف الرأي العام العالمي (راجع مقال الزميل علي عواد)، تشهد الساحة عملية خلط أوراق إعلامية يُتوقع أن تتّضح صورتها قريباً. وعلى رأس هذه التغييرات، التعويم المالي لبعض القنوات المطبّعة مع العدو، إلى جانب إطلاق شاشات أخرى تصحّ عليها إطلاق تسمية ما بعد «طوفان الأقصى» وستكون مهامها الأساسية طمس حقيقة الانتصارات التي حقّقتها المقاومة في غزة ولبنان وشيطنة المقاومين، ومخاطبة الجيل Z الذي أحدث فارقاً كبيراً في المعركة الإعلامية، وخصوصاً في فضح إسرائيل وحقيقتها.
في هذا السياق، أعلن مؤسس ورئيس مجلس إدارة «مجموعة الحبتور» خلف بن أحمد الحبتور أنه سيدخل السوق الإعلامية اللبنانية من باب الترفيه هذه المرة. وكشف رجل الأعمال الإماراتي في تعليق نشره على صفحته على منصة X عن استعداده لإطلاق قناة تلفزيونية ترفيهية من بيروت، من دون أن يحدد موعداً لولادتها أو البرامج التي ستعرضها. وأطل الحبتور عبر فيديو يتضمن عبارات مستوحاة من الأقاويل التي يردّدها مدرّبو الـ«لايف كوتش»، داعياً إلى «الفرفشة» وترك السياسة والأخبار السلبيّة. ومن المعروف أن الحبتور مؤيد قوي للتطبيع مع العدو الإسرائيلي ويجاهر به علناً، إذ نُشرت مقابلة له في عام 2019 أجراها الصحافي الأميركي شالومي زييانتس لمجلة «عامي ماغازين» الناطقة باسم الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية، داعياً الدول الخليجية إلى التطبيع علناً مع العدو وإقامة علاقات معه. وتلفت المعلومات لنا إلى أنّه بعد إعلان الحبتور عن مشروعه الإعلامي الأول في لبنان بعد تملّكه سلسلة فنادق، تلقّى وزير الإعلام الإعلام زياد مكاري عشرات الاتصالات من الصحافيين الذين يبحثون عن فرصة عمل في الإعلام، على اعتبار أن مكاري يتولى حالياً ملف الحبتور بشكل مباشر معه، وخصوصاً أنّ المؤسسات الإعلامية المحلية تمرّ بظروف صعبة بسبب الأزمتين الاقتصادية والسياسية اللتين تشهدهما البلاد. وتشير المصادر إلى أن الحبتور تلقّى ثلاثة عروض لبنانية لتنفيذ مشروعه في لبنان: الأول إعادة تشغيل استديوات «تلفزيون المستقبل» (شارع سبيرز - بيروت) الذي أُغلق في عام 2019 على إثر مشكلات مالية عانى منها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. لاحقاً، بيعت الاستديوات إلى رجل الأعمال الأردني علاء الخواجه. ويقوم المشروع على إعادة تشغيل الاستديوات، وتزويدها بأجهزة متطورة لتواكب التطور الحاصل في عالم تكنولوجيا البثّ، وخصوصاً أن تلك الاستديوات أنشئت ضمن معايير جيدة ويمكن استغلالها بعد سنوات من الإقفال.
أما العرض الثاني الذي تلقّاه رجل الأعمال الإماراتي، فهو من رئيس مجلس إدارة قناة mtv ميشال المرّ الذي يملك أيضاً استديوات «استديو فيزيون» في النقاش (شمال بيروت). تلك الاستديوات تستأجرها قنوات عربية وخليجية عدة على رأسها قناة «الحرة» الأميركية الناطقة بالعربية، وقناة «الغد» المصرية وغيرهما. وتكشف المعلومات أنه دخلت على خطّ الحبتور - المرّ، مجموعة إعلاميين وسياسيين تابعين لحزب «القوات اللبنانية»، عملوا على شكل وساطات بين الطرفين على رأسهم الكاتب جوزيف أبو فاضل ومجموعة من مذيعات mtv. مع العلم أنه يتردد في الأوساط الإعلامية أنّ «القوات» تجد في الحبتور «فرصة العمر» بعدما خفّ الدعم المالي السعودي والهجوم على «حزب الله».
تجد «القوات اللبنانية» في الحبتور «فرصة العمر» بعدما خفّ الدعم المالي السعودي


أما العرض الثالث الذي طُرح على الحبتور، فقدّمه رئيس مجلس إدارة lbci بيار الضاهر بعدما عُرف الأخير بالبرامج الترفيهية والفنية. والتقى الضاهر بالحبتور في الإمارات العربية المتحدة، وتوقّف الثنائي عند كيفية التعاون معاً لإطلاق المشروع الإعلامي.
وتشير المعلومات إلى أنّ الحبتور لم يتخذ، حتى اليوم، قراراً نهائياً بشأن الاستديوات، إذ ينتظر الحصول بداية على ترخيص العمل في لبنان، على أن يتخذ قراره لاحقاً. وتشير المصادر إلى أنّ حضور الحبتور إلى بيروت لافتتاح قناة ترفيهية، يعود إلى استغلال الساحة الإعلامية المحلية التي تمرّ بمصاعب مالية عميقة. كذلك، توضح المصادر بأن مشروع الحبتور الإعلامي يندرج ضمن المنافسة المحتدمة مع «الإخوة الأعداء» أي السعودي والإماراتي. صراع تتجلّى صورته بشكل كبير في الإعلام، وخصوصاً أنّ بيروت كانت ملتقى للإعلام العربي في السنوات الماضية، واحتضنت استديوات للقنوات العربية على رأسها شبكة mbc في منطقة ذوق مصبح (شمال بيروت)، وكذلك قناتَي «العربية» و«الجزيرة» وغيرها.
بعيداً من «الفن والترفيه» الملغومين، تتحضر الساحة العربية أيضاً لإطلاق قناة عربية جديدة سيكون مركزها في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراقية. وستكون المحطة إخبارية تتطرق إلى الشؤون والملفات السياسية في العالم العربي. وقد بدأ اختيار فريقها الذي سيعمل معها في تغطية الأخبار العربية والعالمية. وتلفت المعلومات لنا إلى أنّه انطلق البحث عن مقدّمي نشرات الأخبار في لبنان، وأُجريت عمليات الاختبار أخيراً لمجموعة من المقدّمين والمذيعين. ويتكتم القائمون على القناة على إعطاء تفاصيل تتعلّق بسياستها والجهة الممولة لها، معتبرين أنها من تمويل رجال أعمال أكراد. لكن مجرّد أن يكون مركز المحطة في أربيل، فإن الأمر يطرح عدداً من الاستفهامات حول إنشائها في المدينة التي تنشط فيها أجهزة الاستخبارات الأجنبية على رأسها الأميركية والإسرائيلية! وستكون القناة ناطقة باللغة العربية فقط، وقد انضم إليها مذيع الأخبار في قناة lbci مالك الشريف ومجموعة من العاملين سابقاً في قناة «الجزيرة» القطرية. على أن تتّضح صورة القناة وسياستها في المدة القريبة المقبلة.