يحدث الآن تحول كبير في كيفية استهلاك الشباب وخصوصاً الجيل Z (مواليد 1996 حتى 2012) للأخبار والمعلومات في الشرق الأوسط، فهم يفضلون منصات التواصل على وسائل الإعلام التقليدية، والأمر نفسه يحدث في الولايات المتحدة وحول العالم. ووفقاً لاستطلاع أجراه «رأي الشباب العربي» لعام 2023، فإن 77 في المئة من جيل Z في المنطقة ناشطون على السوشال ميديا، ويقضون أكثر من 3.5 ساعات يومياً في عملية التصفّح. ووفقاً لتقرير نشره موقع fastcompanyme في نسيان (أبريل) الماضي، فإنّ هذا الجيل الرقمي يتوق إلى وجهات نظر متنوعة وروايات مختلفة ومحتوى جذاب. ميول تضعهم على خلاف كبير مع وسائل الإعلام التقليدية الخاضعة للرقابة. كذلك، يُلاحظ التقرير تعاظم عدد منشئي المحتوى العرب المستقلين، الذين تنبّهوا إلى وجود نقص كبير لم تستطع المنافذ الإخبارية التقليدية ملأه. وبالمناسبة، هناك نحو 200 مليون شخص حول العالم يعرّفون عن أنفسهم بأنّهم صانعو محتوى، وهم جزء من صناعة التسويق المؤثر Influence advertising التي قدرت قيمتها بـ 21.1 مليار دولار عالمياً في عام 2023.

وهذا الجيل الجديد ــــ كما وصفته الصحف الغربية و«إسرائيل» نفسها ـــــ لديه «مشكلة مع إسرائيل». إذ تشير أرقام نشرها مركز washingtoninstitute في 23 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إلى أن نسبة تأييد «حماس» ارتفعت بشكل كبير من 10 في المئة إلى 40 في المئة بشكل مذهل بين السعوديين. كذلك، كشف استطلاع رأي نشره «المركز العربي واشنطن دي سي» بالتعاون مع «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» في 8 شباط (فبراير) من العام الحالي، عن انقلاب الرأي العام العربي على «إسرائيل» والولايات المتحدة بعد حرب غزة. وشمل الاستطلاع أكثر من 8 آلاف شخص من 16 دولة عربية. وأظهرت النتائج أنّ 94 في المئة من العرب يعتبرون رد الفعل الأميركي على حرب غزة سيئاً أو سيئاً جداً. وبالمثل، يعتقد 82 في المئة أنّ التغطية الإعلامية الأميركية منحازة لمصلحة «إسرائيل». وأظهرت الأرقام تحوّلاً مذهلاً ضد اتفاقيات التطبيع بين «إسرائيل» وبعض الدول العربية، إذ رفض 89 في المئة الاعتراف بـ«إسرائيل»، بزيادة 5 في المئة عن عام 2022. وفي المملكة العربية السعودية، تضاعفت معارضة الاعتراف بـ«إسرائيل» من 38 في المئة إلى 68 في المئة. وجاء في ملخص التقرير أنّ «هناك شبه إجماع بين المواطنين على أن القضية الفلسطينية تعني العرب جميعاً وليس الفلسطينيين فقط»، وأن «هذه النسبة هي الأعلى المسجّلة منذ عام 2011». وعندما سُئلوا عن دوافع «إسرائيل»، قال خمسون في المئة من المشاركين إنّ الدعم العسكري والسياسي الأميركي كان العامل الرئيس في تمكين الهجوم على غزة، في حين أشار 35 في المئة إلى استمرار الاحتلال الإسرائيلي باعتباره سبب «حماس» الرئيسي للقتال.
مع صعود نسبة المحتوى العربي على منصات التواصل، وعدم قدرة الحكومات السيطرة عليه، وتراجع مشاهدات الإعلام التقليدي، يُلاحظ أن هناك محاولات لتوجيه صنّاع المحتوى نحو الترفيه بعيداً من قضايا المنطقة، وخصوصاً بعدما أحرجت مجازر الاحتلال الإسرائيلي اللاهثين خلف التطبيع ووضعتهم في مأزق كبير. ووجدوا أن لا سبيل أمامهم سوى دخول العالم الرقمي من بابه الواسع، وتمويل شبكة كبيرة من صنّاع المحتوى المنفردين، ومنافذ إخبارية جديدة موجّهة إلى الشباب في قالب عصري، إضافة إلى محطات إعلامية تضمن بقاء إعلاميي المنطقة ضمن خطٍ سياسي يمهّد للتطبيع مع العدو الإسرائيلي. عملياً، هناك من يحاول «حراسة بوابة الإنترنت» في العالم العربي، وقد صارت بوابة الأخبار والمعرفة، خوفاً من صانعي محتوى يتحدثون عن فلسطين والمقاومة. وفي الواقع، هي محاولة «جريئة»، رغم أنها محفوفة بالمخاطر على القيّمين عليها، كما أنها عرضة للفشل بسبب طبيعة العالم الرقمي نفسه. فلا يعني التمويل الكبير شيئاً أمام أصالة المحتوى وشخصية صانعه. ويُذكر هنا قول رئيس الاحتلال الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، إن «تيك توك غسل عقول المستخدمين حول العالم» في معرض ردّه على أسباب تحوّل خطاب الشباب الغربي إلى سلبي تجاه «إسرائيل». وتجدر الإشارة إلى أن قانون فرض بيع تيك توك على شركة «بايت دانس» الصينية المالكة له، وقبل أن يصبح قانوناً نافذاً في الولايات المتحدة، كان أول من أعلن عنه وسار به النائب الجمهوري مايك غالاغر، الذي دخل الكونغرس الأميركي عام 2022 بدعم مالي من اللوبي الصهيوني «إيباك» AIPAC.