رام الله | دوّت صليات الرصاص التي أطلقها 3 مقاومين من «كتائب القسام»، قبل أيام، على مستوطنة «بيت حيفر» غرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية المحتلة، في أروقة صنع القرار في دولة الاحتلال، بينما أثار المقطع المصوّر للعملية، والذي يُظهر اقتراب المقاومين من المستوطنة، جنون المستوطنين وقادة الجماعات الاستيطانية، الذين وجّهوا انتقادات لاذعة إلى المؤسسة الأمنية. وما فاقم من وقع هذا الحدث، إعلان مجموعة «شباب الثأر والتحرير» تمكّن مقاتليها من اقتحام المستوطنة ومداهمة منزل أحد الضباط بهدف اغتياله، قبل أن يكتفوا نتيجة غيابه عن المنزل، باغتنام رشاش قاموا بنشر صور له مع رقمه العسكري.ودفعت التطورات الميدانية الأخيرة، وتحديداً في طولكرم، وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، إلى زيارة المستوطنة، والتهديد بشن «حرب دفاعية» في الضفة، وتحويل مدنها إلى خراب، إذا تواصل التصعيد في المنطقة، التي قال إسرائيليون إنها وصلت إلى «نقطة واحدة قبل الغليان». وقال سموتريتش، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية، إن «رسالتنا إلى الجيران في طولكرم ونور شمس والشويكة وقلقيلية أننا سندمركم كما فعلنا في غزة إذا استمر إرهابكم»، متعهّداً بمواصلة السيطرة على الضفة الغربية بوصفها «الحزام الأمني» للمستوطنات على خط التماس، ومعتبراً أن كل من يتحدّث عن إقامة دولة فلسطينية «يهدر دم اليهود ويعرّض دولتهم للخطر». وتابع: «سنوجّه ضربة حاسمة إلى الإرهاب لكيلا تصبح كفار سابا (في الضفة) كفار عزة (في غلاف غزة) وبات حيفر هي بئيري».
وتأتي هذه التهديدات في وقت تستمر فيه حكومة الاحتلال في عسكرة المستوطنات، وتشكيل المزيد من المجموعات المسلحة؛ إذ أعلن جيش العدو، أول من أمس، عن بدء مرحلة جديدة من توزيع أسلحة رشاشة على المستوطنين في الضفة، ستشمل حتى من هم ليسوا أعضاء في الفرقة الاحتياطية المخصصة للحراسة وتعزيز الحماية. وقال عضو «الكنيست» من حزب «الصهيونية الدينية» اليميني المتطرف، تسفي سوكوت، إن هذا القرار «أمر مهم وسيعزّز الشعور بالأمن».
على أن هذه السياسة لم تحقق، إلى الآن، للاحتلال ما يأمله؛ إذ يستمر التصعيد الميداني، وتحديداً في شمال الضفة، بشكل شبه يومي، وآخر فصوله مقتل جنديين إسرائيليين في عملية دهس قرب نابلس، مساء الأربعاء الماضي. وتشهد مدن الشمال، يومياً، العشرات من عمليات إطلاق النار على المستوطنات، خاصة المحاذية لجدار الفصل العنصري، وفي المناطق التي تفصل الضفة عن الداخل المحتل، وهذا ما جعل هاجس الوقوع لعمليات اقتحام للمستوطنات على غرار 7 أكتوبر، يسيطر على المستوطنين.
وفي ضوء ذلك، عزّز جيش الاحتلال تأهب قواته في منطقة التماس مع الضفة، توازياً مع إجرائه سلسلة تمارين بهدف تحسين قدراته على التعامل مع اقتحام مقاومين الخط الفاصل عن الداخل. وقال الجيش، في بيان، إنه قام «بنصب الكمائن وشنّ حملات اعتقال وتعزيز المراقبة الاستخباراتية، وإن فرقة الضفة أجرت تمارين بالتعاون مع سلاح الجو، في إطار الإجراءات المتّخذة لرفع الجاهزية والاستعداد للتعامل مع سيناريوات مختلفة». وأضاف أن هذا يأتي «بعد وقوع عدة أحداث إطلاق نار في الأيام الأخيرة استهدفت مستوطنات تقع بمحاذاة السياج الأمني على خط التماس».
سموتريتش يهدّد بتحويل مدن الضفة إلى خراب إذا واصلت المقاومة التصعيد


ويشي الواقع الميداني في الضفة، والمتمثّل في استمرار المقاومة في نشاطاتها، وفشل الاحتلال في إنهائها، رغم شنّه عمليات اجتياح وحصار واقتحامات واسعة منذ أكثر من عامين، بتصعيد أكبر في المرحلة المقبلة، يدفع إليه المستوطنون والمسؤولون العسكريون السابقون الذين يواصلون التحريض على ذلك. وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية مقالاً للمسؤول السابق في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، إريك برفينغ، قال فيه إن «ضوءاً أحمر بارزاً يجب أن يُضاء الآن في جهاز الأمن»، وإن اقتراب المسلحين الفلسطينيين من جدار الفصل العنصري لا يدل على تراجع الأهمية الأمنية لذلك الجدار، وإنما على ما وصفه بـ«وعي الجدار». وشبّه إطلاق النار من طولكرم بإطلاق النار من بيت جالا في اتجاه مستوطنة «غيلو» في القدس في الانتفاضة الثانية، و«الذي انتهى بعملية السور الواقي وعمليات عسكرية مكثّفة في منطقة بيت لحم». وتابع أن «رداً إسرائيلياً يعتبره الجانب الآخر متردّداً سيزيد ثقة المخرّبين بالنفس، ويعزّز جرأتهم ويجعل حياة إسرائيليين كثيرين في منطقة التماس، لا تُحتمل، وعلى كل المستويات. ولذلك، إن المطلوب هنا من جانب إسرائيل شنّ عمليات شديدة ومتواصلة، ومؤلمة بالأساس، عبر تصفية أولئك المخرّبين».
بدوره، أشار المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، إلى أنه «طوال ثمانية أشهر تقريباً من الحرب في قطاع غزة، بقيت الضفة الغربية حلبة قتال ثانوية»، رغم أن «الجيش نشر قوات كبيرة فيها وبادر إلى عمليات هجومية واسعة في مناطق جنين ونابلس وطولكرم، ويبدو أن الوضع في الضفة لا يزال عند مستوى درجة واحدة تحت نقطة غليان شامل».
ونبّه هرئيل إلى أن «هذا الاستقرار المحدود من شأنه أن يُقوَّض أيضاً في الأشهر القريبة، وخصوصاً على إثر خطوات تخطّط لها إسرائيل، مرتبطة بخطط الوزير بتسلئيل سموتريتش، الذي لا يخفي أن هدفه دفع السلطة الفلسطينية نحو الانهيار. وهو يرصد فرصة في حالة الفوضى الحالية، ويحاول دفع رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) في هذا الاتجاه». واعتبر هرئيل أنه إذا نجحت خطط سموتريتش، «فسيكون هذا نجاحاً مزدوجاً، لأنه بذلك سيمنع سيناريو آخر يخشاه اليمين، وهو ضلوع السلطة الفلسطينية في تسويات اليوم التالي في قطاع غزة، والتي تبدو مستبعدة الآن لأن حماس لم تُهزم»، لافتاً إلى أنه «في المدة القريبة سيتم بحث عدة خطوات وتنفيذها ستؤدي إلى تزايد الأضرار التي ستلحق بالسلطة الفلسطينية».