غزة | مع شروق الشمس، أمس، شدّ آلاف الفلسطينيين الرحال إلى وسط مخيم جباليا في شمال قطاع غزة. وتقدّم النازحون الذين غادروا المخيم قبل 19 يوماً، إلى كل شبر تراجعت منه قوات الاحتلال، من دوار أبو شرخ، إلى حي الفالوجا، الذي يكشف، نظراً إلى طبيعته المرتفعة، كل بلوكات المخيم، وحتى منطقتي تل الزعتر والسكة. بدا المخيم كومة من الأطلال. تقف إلى جانب منطقة مطعم حمدان، فلا ترى سوى الدمار والخراب على مدّ البصر. وفي كل اتجاه تولّي فيه وجهك، سترى أن الطائرات الحربية والقذائف المدفعية، لم تترك مبنى واحداً أو منزلاً من دون أن تعمل فيه هدماً وخراباً.الطريق الذي يقود إلى المخيم من حي الفالوجا، والذي يحيطه ركام المنازل من جانبيه الأيسر والأيمن، اكتظّ بعشرات آلاف العائدين والمغادرين في الآن نفسه. لم يستطع أكثر الأهالي البقاء في المخيم، ليس فقط لأن جيش الاحتلال دمّر كل معالمه، وقوّض أي إمكانية للعيش فيه، وإنما أيضاً لأن الطائرات المُسيّرة والقذائف المدفعية لاحقت العائدين. ومع ساعات الظهيرة، قصفت المدفعية مدرسة تؤوي نازحين حاولوا إخراج ما تركوه خلفهم قبل النزوح الاضطراري، من مواد تموينية وأغطية، ما تسبب باستشهاد سبعة من النازحين وإصابة العشرات.
في وسط المخيم، تبدّت معالم الكارثة: مئات المنازل سوّتها جرافات الـ«دي ناين» بالأرض، فيما السوق المركزي خرّبته الجرّافات بشكل شبه كلي. كذلك، أحرقت قوات الاحتلال عيادة وكالة الأونروا التي تتوسّط المخيم، ونسفت مركز شرطة جباليا بشكل كلي، إلى جانب تدمير كامل للبنية التحتية وشبكات المياه والصرف الصحي. أما في القسم الشرقي من المخيم، وتحديداً في منطقة الترنس والبلوكين 4 و5 في محيط منطقة عماد عقل، فيتجاوز الحديث هناك مجرّد هدم وتدمير وتخريب، حيث حوّلت الجرّافات الإسرائيلية المناطق التي توغّلت فيها إلى مساحات جرداء. ويقول خالد أبو علي في حديث إلى «الأخبار»: «لم نتعرّف إلى المنطقة، ولا إلى المنزل. حوّلوا المربّع السكني الذي كانت تتراصف فيه مئات المنازل، إلى ملعب كرة قدم برمال صفراء، لم نجد حتى ركام المنازل». وفي الوقت الحالي، لا تزال قوات الاحتلال تتمركز في مناطق الإدارة المدنية وتل الزعتر وأجزاء من مشروع بيت لاهيا، حيث يتركّز الجهد الميداني، فيما تشير التقديرات، إلى أن العدو سيكمل انسحابه التدريجي الذي بدأ به منذ ثلاثة أيام، في غضون عدة ساعات.

ما الذي حقّقه الاحتلال في جباليا؟
لم تستطع العملية البرية في مخيم جباليا، والتي استمرت قرابة 20 يوماً، سوى تدمير الجزء الأكبر من الكتلة العمرانية فيه، حيث واصلت قوات الاحتلال انسحابها التدريجي تحت نيران المقاومة، من دون أن تتمكّن من القضاء على هيكلية الأذرع العسكرية للفصائل، ولا حتى على شبكات الأنفاق. وبينما حاول جيش الاحتلال الاحتفاء بالعثور على جثامين عدد من جنوده القتلى في جباليا، استطاعت المقاومة أن تنفّذ عملية أسر جديدة هناك، لا يزال العدو يتكتّم على تفاصيلها، وينتظر الجميع أن يكمل المخيم بقية حكايتها.