لطالما شكّل إطلاق مواقف مؤيدة لإسرائيل نهجاً مألوفاً عند كل استحقاق انتخابي، في خضمّ «حرب الأصوات» بين الحزبَين التقليديّين في الولايات المتحدة، الجمهوري والديموقراطي. وهي حرب، للمفارقة، يكسبها الحزبان بالمناصفة، مع استحواذ «الديموقراطي» على معظم أصوات اليهود الأميركيين من ناحية، وحصول «الجمهوري» على النسبة الأكبر من أصوات قاعدة تيار «الصهيونية المسيحية»، من ناحية ثانية. ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، انبرى سياسيون وبرلمانيون، ولا سيما قادة الحزب الجمهوري، الذي يتمتّع بشعبية واسعة في صفوف الإنجيليين المسيحيين المحسوبين على اتجاه سياسي وأيديولوجي يكاد يكون أكثر تأييداً للعقيدة الصهيونية من اليهود أنفسهم، لتقديم «فروض الطاعة» لإسرائيل، في سياق محاولتهم «قطف ثمار» بعض أوجه التباين الحاصل بين إدارة الرئيس «الديموقراطي» جو بايدن، وحكومة بنيامين نتنياهو. وفي طليعة هؤلاء، المندوبة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، والمرشحة الرئاسية الجمهورية المنسحبة أخيراً نيكي هايلي، والسيناتور عن ولاية كارولينا الجنوبية، ليندسي غراهام.
نيكي هايلي: «ترامبية» ما بعد ترامب؟
بعد مرور أسابيع على خروجها من الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، حاولت هايلي فرض نفسها في المشهد السياسي الأميركي، عبر رحلة خارجية قامت بها إلى الأراضي المحتلة، تزامنت مع حلول «يوم الذكرى»، وتخلّلتها زيارة مستوطنات «غلاف غزة»، ومن ضمنها سديروت ونير عوز، التي استهدفتها حركة «حماس» في عملية «طوفان الأقصى». ومن الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان، وبعد مرور يوم واحد من «مجزرة الخيام» في رفح، والتي أسفرت عن استشهاد 45 شخصاً، تفتّق سلوك هايلي عن الوجه الأكثر قباحة وصلفاً، عبر ظهورها وهي تكتب على قذيفة مدفعية إسرائيلية مصوّبة في اتجاه الأراضي اللبنانية، عبارة «أجهزوا عليهم!»، وهي العبارة نفسها التي سبق أن استخدمتها خلال مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، في معرض تحريضها على المقاومة الفلسطينية. وبقصد إظهار تمايزها عن الإدارة الحالية، على رغم كل ما تبديه الأخيرة من دعم عسكري وديبلوماسي لإسرائيل، جدّدت هايلي التزام بلادها تجاه كيان الاحتلال، قائلة: «لا تستمعوا إلى ما يقال في وسائل الإعلام. أطمئنكم: الولايات المتحدة الأميركية تقف إلى جانب إسرائيل!».
تتطلّع هايلي إلى مقايضة دعمها لترامب حالياً، نزولاً عند رغبة «اللوبي الصهيوني»، بتعزيز فرص حصولها على دعم هذا اللوبي مستقبلاً


وعلى رغم توتّر علاقتها مع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي سبق أن خدمت في إدارته سفيرة لدى الأمم المتحدة، وهو توتّر يعود إلى فترة «الانتخابات التمهيدية»، فاجأت هايلي جمهورها بتخفيف حدّة لهجتها تجاه الرجل - والتي قاربت في مرحلة معينة حدّ تأكيدها عدم دعمه، حتى في حال فوزه بترشيح الحزب -، لتعلن أنها ستصوّت لمصلحته في الانتخابات الرئاسية. والتحوّل المستجدّ في نظرة هايلي إلى ترامب، على رغم تشديدها على أن الأخير «لم يكن مثاليّاً» في سياساته الداخلية والخارجية، يَنظر إليه مراقبون كمؤشر إلى وجود توجّه لدى بعض القوى الصهيونية النافذة داخل الولايات المتحدة، والداعمة لترامب، للعمل على جسر هوّة الانقسامات داخل الحزب الجمهوري قبيل حلول موعد رئاسيات عام 2024، على أمل تعزيز فرص حصول الرجل على المزيد من أصوات المؤيّدين للحزب من المعتدلين والمستقلّين والناخبين الحاصلين على شهادات جامعية، ممَّن شكلوا «عماد القوة التصويتية» لهايلي خلال الانتخابات التمهيدية. ومن جملة المواقف الأخيرة لهايلي في هذا الصدد، والتي أدلت بها خلال إحدى الفعاليات التي استضافها «معهد هدسون للأبحاث» في واشنطن، قولها إن «ترامب سيكون ذكيّاً إذا تواصل مع ملايين الأشخاص الذين صوّتوا لمصلحتي ويواصلون دعمي»، معربةً عن تطلّعها إلى «رئيس سيحمي ظهور حلفائنا ويحاسب أعداءنا ويحمي الحدود، ويكون كذلك داعماً للرأسمالية والحرية، ومدركاً بأنّنا نحتاج إلى ديون أقلّ وليس أكثر»، واصفة عهد بايدن بـ»الكارثة». وبحسب هؤلاء المراقبين، تتطلّع هايلي إلى مقايضة دعمها لترامب حالياً، نزولاً عند رغبة «اللوبي الصهيوني»، بتعزيز فرص حصولها على دعم هذا اللوبي مستقبلاً، وكذلك على دعم قاعدة الناخبين الجمهوريين المتشدّدين الداعمين لترامب من المسيحيين الإنجيليين، ممَّن صوّتوا بغالبيّتهم، وبنسبة تقارب الـ 80%، لمصلحته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وخصوصاً أنها تضع نصب عينيها الترشّح لانتخابات 2028، وربّما لوراثة «الترامبية»، وتزعّم «الجمهوري».

غراهام: «الجندي الأميركي» الأكثر إخلاصاً لإسرائيل
بدوره، ومن الخلفية نفسها المتعلّقة باستعداده لخوض انتخابات الكونغرس، لا يتورّع كبير الجمهوريين في «لجنة المال» في مجلس الشيوخ الأميركي، ليندسي غراهام، المحسوب على معسكر «الصقور» المؤيّد لإسرائيل في الحزب - والمعروف بتصريحاته «الجدلية»، من قبيل دعوته قبل أسابيع قليلة إلى قصف غزة نووياً، وقبلها حين أعرب عن تأييده شنّ ضربات ضدّ مصافي النفط الإيرانية -، عن استغلال كل مناسبة سياسية أو ظهور إعلامي من أجل الإدلاء بمواقف داعمة لإسرائيل، والتحريض ضدّ الشعب الفلسطيني. فالسيناتور الأميركي، المدرج على «لائحة الإرهاب» الروسية، والذي يُعدّ أحد كبار مروّجي مسار «التطبيع الخليجي» مع إسرائيل، ومهندسي «الحلف العربي - الإسرائيلي» ضدّ إيران ومحور المقاومة، عمد، منذ اللحظات الأولى لبدء إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، إلى إطلاق سلسلة مواقف محرّضة ضد الشعب الفلسطيني، بدءاً بتعامله مع الصراع الدائر هناك على أنّه «حرب دينية»، ودعوته الجيش الإسرائيلي إلى «تسوية غزة بالأرض»، مروراً بانتقاده، في آذار الماضي، امتناع الإدارة الأميركية عن التصويت على مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي نصّ على وقف فوري لإطلاق النار في غزة، معطوفاً على مطالبته بايدن والكونغرس بالسماح لإسرائيل باجتياح مدينة رفح، عبر «التأكد من أن إسرائيل لديها الوقت والمساحة لتحقيق النصر على حماس عسكرياً، بوصفه أمراً غير قابل للتفاوض»، وصولاً إلى مناداته بضرورة فرض عقوبات على «المحكمة الجنائية الدولية» على خلفية توجّهها لملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزير حربه يوآف غالانت.
وخلال لقاء جمعه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأربعاء، في مكتب الأخير في القدس، قال السيناتور الأميركي المخضرم، والجندي الذي خدم 30 عاماً في القوات الجوية، إن «هذا هو واحد من أصعب الأوقات التي مرّت بها إسرائيل، منذ تأسيسها»، مضيفاً أن «هناك مشكلة واحدة ليس عليكم أن تقلقوا في شأنها، ألا وهي (احتمال فقدان دعم) الولايات المتحدة». كما تعهّد غراهام، خلال خامس زيارة له إلى الأراضي المحتلّة منذ «طوفان الأقصى»، بـ»بذل كل ما في وسعنا من أجل محاسبة المحكمة الجنائية الدولية»، واصفاً إيّاها بـ»النكتة»، ومتّهماً رئيسها بـ»معاداة السامية».
وعقب اللقاء، لمّح غراهام، الذي يعدّه البعض أحد وجوه «الترامبية»، رغم تذبذب علاقاته بالرئيس الأميركي السابق، إلى وجود توافقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، في ما يخصّ الموقف من فصائل المقاومة الفلسطينية، ولا سيما حركة «حماس»، مستعرضاً ما وصفه بـ»شروط» الرياض للتطبيع مع الكيان، سواء ما يتعلّق منها بحلّ الدولتين، أو بمستقبل الحركة في المعادلة الفلسطينية، مشيراً إلى أن «السعودية لن تخصّص استثمارات كبيرة في فلسطين جديدة، إذا كانت حماس ومجموعات إرهابية أخرى ستبقى هناك، وتقتل أيّ أحد يريد العمل مع إسرائيل». ولفت غراهام، عبر موقع «إكس»، إلى أن «الشروط التي يطلبها (محمد بن سلمان) في هذا الخصوص هي خفض القتال» في غزة، زاعماً أن أحد أسباب أحداث السابع من أكتوبر كان عرقلة التطبيع بين السعودية وإسرائيل. كما استبعد غراهام أن تبرم إسرائيل مع الجانب السعودي «اتفاقاً لا يتضمّن تدمير الكتائب (القسام)، ولا ينطلق من فكرة أن من مصلحة الجميع تدمير شبكات الإرهاب هذه». وأردف قائلاً: «لا أحد في السعودية سبق واقترح أن الاتفاق (لتطبيع العلاقات مع إسرائيل) سيسمح لحماس بالبقاء عسكرياً».