مع إعلانه، أمس، السيطرة على كامل ما يُعرف بـ«محور فيلادلفيا» على الحدود الجنوبية بين قطاع غزة ومصر، يكون جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أنهى، عملياً، المرحلة الأولى من مراحل هجومه على مدينة رفح، على أن تكون المرحلة المقبلة، والتي بدأت بالفعل بشكل متوازٍ، عبارة عن التوغل داخل المدينة وأحيائها السكنية، حيث يُتوقّع أن يدخل في الاشتباكات الأعنف مع المقاومة الفلسطينية، كما من المتوقّع أن تُسبّب عملياته سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، نظراً إلى اكتظاظ أحياء رفح بالسكان والنازحين. وفي موازاة ذلك، تشتدّ الضغوط السياسية الخارجية على حكومة العدو، في ظلّ حماية ورعاية مستمرّتين ومتقدّمتين لها من قبل الإدارة الأميركية، وخصوصاً في أروقة «مجلس الأمن». كما تتشعّب في وجه حكومة بنيامين نتنياهو، مجموعة كبيرة ومعقّدة من التحديات والمواجهات السياسية، داخل الكيان نفسه، لعلّ آخر تجلّياتها تشكّل «منتدى إسقاط الحكومة»، الذي يجمع معارضي نتنياهو القدماء والجدد، على اختلافهم.وعُقدت، أمس، جلسة لـ«مجلس الأمن»، بدعوة من الجزائر، للمطالبة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وخلال الجلسة، قال منسّق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، إن «إسرائيل تشن عملية برية كبيرة في رفح (...) وإن خطر اندلاع صراع إقليمي يتصاعد كل يوم تستمر فيه الحرب». وأضاف وينسلاند أن التقارير تشير إلى «مقتل أكثر من 36 ألف فلسطيني، وأكثر من 1500 إسرائيلي وأجنبي». ومن جهته، طالب المندوب الفرنسي «بإيقاف الحرب من دون تأخير، وفقاً لقرار محكمة العدل الدولية»، كما «دعا إلى تعزيز السلطة الفلسطينية، وعودة إدارتها إلى قطاع غزة»، فيما دعت نائبة المندوب الروسي إلى «وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية»، ورحّبت بمقترح الجزائر لوقف الحرب. وكانت الجزائر قد وزّعت على أعضاء المجلس مشروع قرار «يطالب إسرائيل بوقف هجومها على رفح فوراً، والإفراج الفوري وغير المشروط عن كل الرهائن».
اتفق لابيد وليبرمان وساعر، وفق بيان، على «خطة عمل لتغيير حكومة نتنياهو من أجل مستقبل دولة إسرائيل»


في المقابل، قال نائب المندوبة الأميركية إن «على إسرائيل بذل المزيد لحماية الفلسطينيين الأبرياء في قطاع غزة»، مضيفاً أن «النمط المستمرّ من إلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين نتيجة لحوادث مثل الغارات الجوية التي وقعت يوم الأحد، يقوّض الأهداف الإستراتيجية لإسرائيل في غزة». وفي السياق نفسه، دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إسرائيل، إلى وضع «خطة لما بعد الحرب في غزة». وقال بلينكن، خلال مؤتمر صحافي في مولدوفا، إنه على الرغم من تحقّق إضعاف حركة «حماس»» إلى حدٍّ لا يمكنها معه إعادة تنفيذ عملية مشابهة لما جرى في 7 أكتوبر، إلا أن «على الحكومة الإسرائيلية أن تتساءل الآن، عمّا إذا كانت أي مكاسب أخرى ضد حماس يمكن أن تستمرّ من دون خطة لما بعد الحرب». ونبّه إلى أنه «إذا لم توضع خطة، فستبقى حماس في الحكم، وهو أمر غير مقبول، أو سنشهد فوضى وخروجاً على القانون وفراغاً»، مستدركاً بأنه مع غياب هكذا خطة فإنه «لن يأتي هذا اليوم».
أما في الكيان الإسرائيلي، فقد عُقد، أمس، اجتماع ضمّ إلى زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، ورئيس حزب «أمل جديد» جدعون ساعر. واتّفق الثلاثة، وفق بيان، على «خطة عمل لتغيير حكومة نتنياهو من أجل مستقبل دولة إسرائيل». ودعوا رئيس «معسكر الدولة»، عضو «كابينت الحرب»، بني غانتس، إلى الاستقالة من الحكومة والانضمام إليهم. وبحسب الاتجاه الحالي، فإن عضوي «كابينت الحرب»، بني غانتس وغادي آيزنكوت، سيغادران «الكابينت» بعد نحو أسبوع، عند انتهاء المهلة التي منحها الأولى لنتنياهو، لإحداث التغييرات التي طالب بها. وبذلك، من المتوقّع أن ينضمّ الرجلان إلى «منتدى إسقاط الحكومة»، مع ما يعنيه هذا من انضمام عشرات أو مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى المتظاهرين من عائلات الأسرى والجنود، وجمهور المعارضة التقليدي. وكان آيزنكوت قد هاجم، أمس، بشكل حادّ، نتنياهو، محمّلاً إياه مسؤولية عدم تحقيق أهداف الحرب والفشل الأمني. وأضاف آيزنكوت أن إسرائيل «بعيدة من التوصّل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية». وأشار إلى أن «من يقول إننا سنقضي على ما تبقّى من كتائب حماس في رفح ثم نستعيد المختطفين يزرع وهماً كاذباً»، مضيفاً: «نحتاج إلى 3 - 5 سنوات من أجل إرساء الاستقرار في غزة ومن ثم تشكيل نظام بديل من حماس (...) ولو جرت انتخابات اليوم في غزة لفازت فيها الحركة». وتطرّق إلى معارك شمال القطاع، لافتاً إلى أن «فرقة كاملة للجيش تخوض معارك ضد كتيبة أعلنا عن تفكيكها في جباليا والقتال قاسٍ». واعتبر أن «المرحلة الكثيفة من الحرب ستنتهي بعد أسابيع وبعدها يجب التوجه لانتخابات مبكّرة». وردّ «الليكود» على آيزنكوت وغانتس، واتهمهما بـ«البحث عن الذرائع لإنهاء الحرب من دون تحقيق أهدافها، والاستقالة من الحكومة في خلالها (...) وهما ينخرطان في سياسات تافهة بدلاً من السعي لتحقيق النصر».