رام الله | حوّلت المقاومة معسكرات الاحتلال ومستوطناته في شمال الضفة الغربية، وتحديداً تلك الموجودة في محيط محافظات جنين وطولكرم ونابلس، إلى منطقة أشبه بـ«غلاف غزة»، أو المنطقة الحدودية القريبة على لبنان، نظراً إلى أنها باتت عرضة للاستهداف بشكل متواصل. وألقت عمليات المقاومة بثقلها على المستوطنين هناك، والذين عبّروا عن خشيتهم من تمكّن المقاومين من اقتحام مستوطناتهم والسيطرة عليها، على غرار سيناريو 7 أكتوبر. ورغم أن الاستيطان في محافظتَي جنين وطولكرم يُعَد الأقل من بين محافظات الضفة الغربية، ينصبّ جهد المقاومة على تنفيذ العمليات في محيطهما، في محاولة لجعل حياة المستوطنين صعبة وغير مستقرة. وشنّ مقاومون، في الساعات الماضية، سلسلة عمليات إطلاق نار استهدفت معسكرات جيش الاحتلال والمستوطنات في المحافظة الأولى، حيث تبنت «كتيبة جنين» إطلاق نار على حاجزَي «سالم» و«دوتان» العسكريين، ومستوطنتَي «جانير» و«ميراڤ»، وهو ما تبعه حدث مماثل صباح أمس، استهدف مستوطنة «بيت حيفر» في طولكرم. وفيما تبنّت «كتائب القسام» العملية الأخيرة، قالت إنها تأتي رداً على مجازر العدو في غزة، وأرفقت بيان التبنّي بمقطع مصور يظهر 3 مقاومين وهم يطلقون صليات من الرصاص المتواصل في اتجاه المستوطنة، التي تحوّلت إلى هدف دائم لنيران المقاومين منذ 7 أكتوبر. ولاقى المقطع المذكور غضباً كبيراً في أوساط المستوطنين وتفاعلاً في الإعلام الإسرائيلي. إذ ذكرت «القناة 14» أن هذا «الحدث هو الثاني من نوعه في اليومين الماضيين»، لافتة إلى أنه «يبدو مستوحى» من عملية «طوفان الأقصى»، حين اقتحمت «القسام» غلاف غزة. وقالت «القناة 12»، بدورها، إنه «رغم أنه لم تقع إصابات نتيجة إطلاق النار، لكن سكان المستوطنة ليسوا هادئين أمام عدم كفاءة الحكومة والجيش في هذا الشأن»، عازية ذلك إلى ما سمّته «زيادة النشاط الإرهابي» منذ عدة أشهر في طولكرم، بمساعدة «العناصر الإيرانية التي زادت من تهريب الأموال والسلاح منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة». ولفتت القناة إلى أن المستوطنين خرجوا في تظاهرات عفوية عند بوابة مدخل المستوطنة، مطالبين «المجلس الإقليمي» لمستوطنة «عيمق حيفر» والحكومة والجيش بـ«تعزيز القوات في محيط المستوطنة، بعد انتهاء التعزيزات السابقة التي كانت في المنطقة وخفض القوات».
من جهتها، نقلت «القناة 12» العبرية عن أحد سكان «عيمق حيفر» قوله إنه «بينما يطلقون النار على مستوطنتنا، فإن الطريق رقم 6 وبقية المنطقة لم تعد آمنة»، فيما قال مستوطن آخر «إننا لسنا مستعدين للسماح بحدوث السيناريو المتطرف»، لافتاً إلى أن «يجب إعادة القوات التي تم تخفيضها أخيراً». وأشار مستوطن ثالث إلى أن «الأهالي في حالة هستيرية ولم نتلقَّ إجابات مرضية من الدولة»، بينما أكّد رابع يسكن في مستوطنات قريبة من طولكرم، أن «الحياة في منطقة طولكرم بعد 7 أكتوبر أصبحت مخيفة»، مشيراً إلى أن «الفصائل لا تظهر أي علامات على أنها ستتراجع رغم عمليات الجيش». وتعليقاً على ذلك، رأى وزير مالية الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، أن «علينا أن نحارب الإرهاب في الضفة كما نحاربه في غزة، ويجب القضاء على الإرهاب في طولكرم حتى لو كان ذلك يعني أنها ستبدو كما غزة الآن»، في حين نقلت «القناة 12» عن مسؤول أمني قوله في تعقيبه على فيديو إطلاق النار: «نعمل على إفشال الأحداث قبل وقوعها، لكن للأسف لا يوجد (شيء) 100%». وأفادت «القناة 12»، أيضاً، بأنه للمرة الثالثة منذ بداية الشهر، أطلق مقاومون النار على مستوطنة «جان نير» شمال جنين.
ولم تقتصر تداعيات العملية على تصاعد استياء المستوطنين، بل شملت قادتهم أيضاً، ولا سيما على خلفية الفيديو المصور الذي انتشر في الأيام الماضية، ووثّق تمكّن عشرات الفلسطينيين من اجتياز الجدار العازل عند طولكرم بالقرب من مستوطنة «عيمق حيفر»، وهو ما أثار غضب المستوطنين الذين قالوا إن تلك المشاهد تذكّرهم بأحداث 7 أكتوبر، علماً أن المسافة الفاصلة بين طولكرم والمستوطنات تبلغ نحو 200 متر في بعض المناطق. وذكرت مصادر إسرائيلية أن رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنة «عيمق حيفر»، غاليت شاؤول، وجّه رسالة إلى وزير الحرب، يوآف غالانت، قال فيها: «لقد حذرنا منذ أسابيع من التصعيد في منطقة خط التماس، ولسوء الحظ، فإن الوضع مستمر في التدهور، ونحن ندعو الجيش والدولة إلى الاستيقاظ والتصرّف بتصميم وعدم تسامح مطلق في مواجهة الأحداث الخطيرة». وأضاف أن «الفلسطينيين يعبرون السياج من دون عوائق في وضح النهار». وتابع أنه «من غير الممكن أن تتعرض مستوطناتنا لإطلاق النار مراراً وتكراراً»، مشدّداً على أنه «يجب اتخاذ الخطوات الضرورية على الفور قبل فوات الأوان». وزاد: «نحن بحاجة إلى إضافة قوات أمنية وعسكرية كبيرة إلى المنطقة بشكل منتظم، وإضافة تدابير إلى العائق الموجود شرق الجدار، وقبل كل شيء، إنشاء منطقة عازلة خلف الجدار تمنع الاقتراب من خط التماس»، مؤكداً أن «سكاننا يعيشون مع القلق المتزايد، ويبدو أنه سيتم تجاوز خط أحمر آخر كل يوم، ويجب ألا ننتظر لحظة أخرى».
إزاء ذلك، تبدو منطقة شمال الضفة الغربية مقبلة على تصعيد إسرائيلي أكبر، في ظل عجز جيش الاحتلال عن اجتثاث المقاومة، رغم شنّه عشرات العمليات العسكرية في جنين وطولكرم ونابلس وقلقيلية وطوباس، ووسط استمرار تحريض المستوطنين ووزراء في حكومة العدو على ارتكاب المزيد من الجرائم، بما يشمل التوسع في الاستيطان ومصادرة الأراضي، وخاصة في أعقاب قرار وزير الجيش إلغاء فك الارتباط بشمال الضفة، والذي يمهد لعودة الاستيطان إلى هناك. وفي هذا السياق، اقتحمت قوات الاحتلال، فجر أمس، ضاحية شويكة، حيث تعرضت لإطلاق نار كثيف من مقاومين، استهدفوها بعبوات ناسفة ورصاص، بينما يستمر التحريض على المدينة من قبل المستوطنين ووزراء حكومة العدو. أيضاً، أصيب 3 جنود إسرائيليين بجروح إثر انفجار عبوة ناسفة خلال العمليات الليلية في محافظة طوباس، حسبما أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت».