قد يكون مفاجئاً للكثيرين، الاتصال الهاتفي الذي حدث أخيراً بين قائد حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، والأمين العام لـ«كتائب حزب الله العراق»، أبو حسين الحميداوي. غير أن توقيت الاتصال، وكذلك كشف الحوثي عن تنسيق مع أطراف «محور المقاومة»، وبالتحديد مع العراق، يأتيان في سياق مواجهة التحديات والتهديدات والاتفاقات الأمنية والعسكرية التي تعمل على حبكها الولايات المتحدة في المنطقة، علماً أن المستهدف بها أطراف المحور، وخصوصاً جبهات مساندة فلسطين. والاتصال اليمني - العراقي، لم يكن يتيماً، إذ إن التواصل وتبادل الخبرات وأحياناً توزيع الأدوار، كلها أمور قائمة، فضلاً عن أن الوفود المختصّة بالتنسيق، ولا سيما من صنعاء، لم تنقطع أبداً عن زيارة بغداد، طوال سنوات العدوان على اليمن. إلا أن التحاق الجبهتين اليمنية والعراقية بمساندة غزة، دفع الطرفين إلى الجهر ببعض جوانب العلاقة.ويأتي الاتصال الأخير في وقت تعقد فيه فرق عمل أميركية وأخرى من «مجلس التعاون الخليجي» اجتماعات متتالية في الرياض، منذ 22 أيار الجاري، تحت عنوان توسيع الشراكات بين هذه الدول ضد «تهديد وحيد» يتمثّل في دول «محور المقاومة» وفصائله. وتناقش تلك الاجتماعات، الخطوات اللازم اتخاذها لتعزيز العمل العسكري المشترك بالتركيز على ثلاثة محددات هي: زيادة مشاركة المعلومات، ومزامنة المشتريات العسكرية، وبناء الثقة بين صنّاع القرار السياسي والعسكري. واتفقت الفرق المجتمعة على إنشاء منطقة متكاملة كلياً، تتقاسم فيها الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية الشريكة، المسؤوليات والقدرات الدفاعية مع أطراف حليفة أخرى تشاركها الهدف نفسه، من مثل بريطانيا وفرنسا. كما اتفقت على أن يكون نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي متعدّد الطبقات، والسجل الإسرائيلي طويل الأمد من التعاون مع «وكالة الدفاع الصاروخي» الأميركية، أساساً مهماً لهذه الجهود الرامية إلى تحقيق دفاع جوي وصاروخي متكامل. إلا أن الأطراف الخليجية رأت أن البيئة الحالية للعمليات الإسرائيلية في غزة، لا تسمح بالانضمام إلى التطبيع مع إسرائيل أو حتى العمل مع جيشها وراء الكواليس. ولذا، فهي اقترحت على الفريق الأميركي المشكل من عسكريين ومدنيين، كحلّ مؤقت، آلية وصفت بـ«الجوهرية»، تُبقي التركيز على الدفاع الجوي والأمن البحري، حتى في خضمّ الأزمات الإقليمية، إلى حين أن يصبح الذهاب إلى التحالف المنوي إنشاؤه ممكناً.
لن تقبل صنعاء أن تستيقظ يوماً لتجد أمنها القومي في قبضة التطبيع الأمني


ويبدو أن التطورات في المنطقة وحاجة الإدارة الأميركية إلى تسجيل أي إنجاز خارجي قبل موعد الانتخابات في الخامس من تشرين الثاني المقبل، تدفع في اتجاه تعزيز الشراكات الأمنية بما يخدم الكيان الإسرائيلي. وهذا ما أعلنه مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي، جايك سوليفان، الشهر الماضي، حين قال إن الولايات المتحدة تعمل على توسيع وتعزيز أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي في الشرق الأوسط، في أعقاب الهجوم الإيراني على إسرائيل. ومن المؤكد أن العراق واليمن مستهدفان بالاتفاقات الأمنية المذكورة، وأن اليمن بالتحديد، بما يملك من قرار سيادي كامل، وموقع جغرافي مميّز، وإمكانات عسكرية، لن يقبل أن يستيقظ يوماً ليجد أمنه القومي في قبضة التطبيع الأمني بين بعض عواصم الخليج وكل من واشنطن وتل أبيب. ولذا، فهو ينظر إلى ذلك التطبيع باعتباره مدخلاً عسكرياً إلى تطورات ميدانية محتملة في أي لحظة إستراتيجية، يرى فيها الجانبان الأميركي والإسرائيلي منطلقاً يسمح بتسجيل نقاط داخل الأراضي اليمنية.
وفي هذا السياق، جاء توجيه الحوثي «نصيحة أخوية» إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالقول: «لا تذهب إلى التطبيع مع إسرائيل ولا ترم نفسك عند أميركا لكي تحمي نفسك من شعبك ومن جيرانك. أميركا ستحلبك وستبتزّك... فقط عدّل من سياساتك مع جيرانك وكن قريباً من أبناء شعبك، وستحلّ المشكلة». كذلك، وانطلاقاً ممّا يُعرف بـ«الحرب الاستباقية»، التي تُجيز لليمن ومجمل فصائل «محور المقاومة» ودوله حق المبادرة، فإن تكثيف التشاور، إضافة إلى التنسيق الميداني، لا يفتأ يتحوّل إلى أمر واقع، وخصوصاً أن الجانبين اليمني والعراقي يشتركان في أكثر من ساحة، كما أن كليهما أعلنا أن عملياتهما العسكرية ستمتدّ إلى البحر الأبيض المتوسط لتضييق الحصار على العدو، الأمر الذي يستدعي أعلى مستوى من التنسيق العملياتي والاستخباراتي.
ويذكر أن ثمة أحداثاً جرت أثناء الحرب على اليمن، تم تصويرها بشكل غير رسمي على أنها تعاون يمني - عراقي، ومن بينها:
- عام 2019، ادعى مسؤولون أميركيون أن الهجمات بطائرات مسيّرة على منشآت «أرامكو» في بقيق وهجرة خريص، نُفّذت انطلاقاً من أراضي العراق الجنوبية. وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، حينها، نقلاً عن هؤلاء، أنه تم التوصّل إلى هذا الاستنتاج ونقله وزير الخارجية الأميركي في حينه، مايك بومبيو، إلى رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، في اتصال هاتفي معه. غير أن واشنطن تراجعت عن اتهام العراق بالمسؤولية عن الهجمات على «أرامكو».
- وفي الثاني من شباط 2022، تبنّت «ألوية الوعد الحق» عملية استهداف من الأراضي العراقية للإمارات بطائرات مسيّرة، على إثر هجوم أبو ظبي المدعوم أميركياً في محافظة شبوة اليمنية، في محاولة لضرب خاصرة هجوم صنعاء على محافظة مأرب. وربطت الإمارات عدم سماحها، الشهر الماضي، للطائرات الحربية والمسيّرة الأميركية المتمركزة في قاعدة الظفرة الجوية في عاصمتها، بتنفيذ ضربات في اليمن والعراق، بما وصفه مسؤول إماراتي «بطء الاستجابة الأميركية» بعد تعرّض بلاده للاستهداف، وفقاً لـ«وول ستريت جورنال».