رام الله | حوّل جيش الاحتلال الإسرائيلي، مخيّم جنين، مع استمرار عدوانه عليه لليوم الثاني على التوالي، إلى ساحة حرب، دافعاً بتعزيزات عسكرية إضافية إلى المنطقة، حيث وصلت، صباح أمس، قوات وآليات كبيرة، في وقت تتواصل فيه الاشتباكات مع المقاومين الذين نجحوا في تفجير عددٍ من الآليات العسكرية وإعطابها. وإذ وسّع العدو أعمال التخريب في محيط المخيم وبعض شوارع المدينة، أفادت مصادر محلّية، «الأخبار»، بأن «الدمار هائل في المدينة والمخيّم، وآليات الاحتلال وجرافاته لم تتوقّف عن أعمال التجريف والتدمير التي طالت الشوارع ومركبات المواطنين وممتلكاتهم والبنية التحتية لخدمات المياه والكهرباء والهاتف». وأضافت أن هذه القوات «حوّلت المدينة إلى منطقة عسكرية»، ينتشر فيها عدد كبير من الجنود الذين يطلقون النار بشكل عشوائي، مستظلّين بالطيران المسيّر. وارتفع عدد الشهداء، منذ بدء الاقتحام صباح الثلاثاء، إلى أحد عشر، فضلاً عن إصابة 25 آخرين، أربعة منهم وُصفت حالاتهم بالخطيرة. وفي هذا الوقت، تواجه الطواقم الطبية والإغاثية صعوبات في أداء مهامّها جرّاء استهدافها بشكل مباشر، على غرار استهداف مركبة إسعاف في المخيم، وتدمير خط المياه الواصل إلى «مستشفى جنين الحكومي» المحاصر، علماً أن سياسة محاصرة المستشفيات في جنين تبدو مشابهة لما يحدث في غزة من تدمير ممنهج للمنظومة الصحية.واعتباراً من مساء الثلاثاء، بدأت قوات الاحتلال حملات مداهمة وتفتيش طالت عشرات المنازل في حارات المخيم، ونفّذت اعتقالات في صفوف المواطنين، الذين تعرّضوا للاعتداء والتنكيل، والعبث بمحتويات منازلهم، فيما أخضعت عدداً من الشبان للتحقيق الميداني. أيضاً، تسبّبت عمليات تدمير البنية التحتية، بانقطاع التيار الكهرباء والاتصالات والإنترنت عن مناطق واسعة في المدينة والمخيم، فضلاً عن هدم عددٍ من المنازل.
وفي المقابل، واصل المقاومون تصدّيهم للقوات المتوغّلة، بعدما نجحوا في تفجير عبوات ناسفة بمجموعة من الآليات العسكرية. وفي هذا الجانب، أكدت مصادر محلّية أن حدثاً أمنياً وقع مساء الثلاثاء في محيط مدينة جنين، وتحديداً في منطقة سهلية، بعد انفجار عبوة كبيرة بآلية عسكرية، إذ رصد مواطنون وصول سيارات إسعاف إسرائيلية ومروحية إلى المكان لنقل الجرحى، فيما ذكرت مصادر إسرائيلية أن طائرة من دون طيار انفجرت، أمس، فوق مبنى في جنين، من دون أن تتّضح ملابسات الحادث بعد.
ولليوم الثاني على التوالي، واصل جيش الاحتلال عمليته في جنين، والتي باتت تندرج في إطار سياسة أكثر عدوانية كرّستها إسرائيل في شمال الضفة، إذ تُعدّ استكمالاً للعشرات من العمليات العسكرية سواء في جنين نفسها، أو في مخيمَي طولكرم، أو في مدن نابلس وطوباس وقلقيلية، والتي تأخذ على عاتقها رفع مستوى المواجهة والمقاومة، فيما تكتفي السلطة الفلسطينية بدور المتفرّج إزاء ذلك. وفي هذا الوقت، تواصل حكومة بنيامين نتنياهو فرض سياسة الأمر الواقع، وخصوصاً في ظلّ قراراتها في اتّجاه تعميق الاستيطان في شمال الضفة، مع إعلان وزير الأمن، يوآف غالانت، في بيان مشترك مع رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات شمال الضفة، يوسي دغان، مواصلة تنفيذ قانون إلغاء فك الارتباط في مستوطنات «سانور» و«غنيم» و«كاديم»، بعد الأمر الأوّلي بفك الارتباط في مستوطنة «حومش». وقال غالانت إن «السيطرة اليهودية على يهودا والسامرة (الضفة الغربية) هي التي تضمن الأمن لإسرائيل، وتطبيق قانون إلغاء الانفصال سيؤدي إلى تطوير الاستيطان وتوفير الأمن لسكان المنطقة»، فاتحاً المجال أمام عودة المستوطنين إلى المستوطنات الثلاث المذكورة والبقاء فيها، باعتبار ذلك «ليس مخالفاً للقانون الإسرائيلي».
غالانت: «السيطرة اليهودية على يهودا والسامرة (الضفة الغربية) هي التي تضمن الأمن لإسرائيل»


وجاء هذا بعد يوم واحد من نشر تسريب لغالانت، قال فيه، أثناء اجتماع نواب حزب «الليكود» في الكنيست، إن «الأميركيين يفهمون الآن أن السلطة الفلسطينية لن تكون في غزة ولن تكون هناك دولة فلسطينية»، معتبراً أن «التصريحات الأميركية العلنية ليست مهمّة». وأضاف: «دعكم من التصريحات، يفهمون أن هذا ليس عملياً، لا مع هذه الحكومة ولا مع أيّ حكومة أخرى، لأن إسرائيل لا تستطيع تحمُّل ذلك». وتابع غالانت: «سأواصل تطوير المستوطنات في يهودا والسامرة لتعزيز العناصر الأمنية وأمن المواطنين، في الطرق والمستوطنات»، فيما وقّع على أمر «منطقة عسكرية مغلقة» في شمال الضفة الغربية، منعاً لبدء المستوطنين بالوصول إلى المنطقة والاستيطان فيها، وذلك حتى الانتهاء من الإجراءات الأمنية في تأمين الاستيطان والمستوطنين. وفي السياق، نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر أمني قوله إن «ذلك يتطلّب استعدادات أمنية مختلفة كلياً في هذه المنطقة، لبناء استيطان في غلاف جنين. هذه المنطقة مليئة بالإرهاب أكثر من أيّ منطقة أخرى في الضفة، ولا يمكن فعل ذلك من اليوم إلى الغد. الآن نبدأ العمل على فحص كل العوامل والظروف الأمنية للاستيطان هناك، بما يشمل بناء نقاط ومواقع عسكرية أخرى للحماية. اليوم، لا توجد نقاط عسكرية ولا توجد قوات، سنحتاج إلى إحضار قوات كبيرة أخرى، وهذا سيأخذ وقتاً».
ومن جانبه، دعا وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، نتنياهو، إلى اتّخاذ إجراءات عقابية فورية في حقّ السلطة الفلسطينية، وذلك ردّاً على قرارات النرويج وإسبانيا وإيرلندا الاعتراف بدولة فلسطين. وطالب سموتريتش بعقد اجتماع فوري لـ«مجلس التخطيط الاستيطاني» في الضفة للمصادقة على عشرة آلاف وحدة استيطانية لتكون جاهزة للتقدّم المهني، بما يشمل المنطقة «E1»، والمطالبة بالمصادقة على قرار في جلسة «الكابينيت»، اليوم، لإقامة مستوطنة مقابل كل دولة تعترف بالدولة الفلسطينية. كما أعلن أنه وجّه مديرية الاستيطان بإعداد خطّة إستراتيجية للتخطيط لثلاث مستوطنات جديدة، مطالباً بالمصادقة على هذا القرار. وقال سموتريتش إنه سيعرض على الكابينيت، اليوم، قراراً آخر يهدف إلى إلغاء «المسار النرويجي» الذي أقرّه «الكابينيت» قبل بضعة أشهر، والتوقّف عن تحويل الأموال إلى السلطة والمطالبة بإعادة جميع الأموال المحوّلة إليها، وإلغاء جميع تصاريح كبار الشخصيات فيها بشكل دائم على كلّ المعابر (الحواجز)، وفرض عقوبات مالية إضافية على مسؤوليها وعائلاتهم، والتوقّف عن تحويل أموال المقاصة حتى إشعار آخر، وعدم تمديد التعويض للبنوك (الإسرائيلية التي لديها معاملات مع بنوك فلسطينية) في نهاية الشهر المقبل.