في أعقاب تقديم المدّعي العام في «المحكمة الجنائية الدوليّة»، كريم خان، طلباً إلى المحكمة لإصدار مذكّرات توقيف دوليّة بحق رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه، يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب، وأخرى ضد رئيس حركة «حماس» في غزة، يحيى السنوار، وقائد «كتائب القسام»، محمد الضيف، ورئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، على خلفية هجوم السابع من أكتوبر، سارعت واشنطن إلى التنديد بالقرار، وعادت، رغم كل ما كانت تحاول الإيحاء به، في الفترة المنصرمة، من «انقسام» بين سياستها وتلك التي ينتهجها نتنياهو في غزة، إلى «المربع الأول» في «الاستشراس» دفاعاً عن حليفتها. وفي السياق، أكّد بيان صادر عن الخارجية الأميركية، في اليوم نفسه لصدور إعلان المحكمة، رفض الولايات المتحدة «رفضاً قاطعاً إعلان المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية»، باعتبار أنّ الأخير ساوى بين «إسرائيل وإرهابيي (حماس)». ومرة جديدة، عمدت واشنطن، من خلال البيان، إلى «التلويح» بورقة «المحرقة»، زاعمةً أنّ «حماس» ارتكبت «أسوأ مذبحة لليهود منذ الهولوكوست، ولا تزال تحتجز عشرات الأبرياء كرهائن، ومن بينهم أميركيون». وبالرغم من أنّ الرئيس الأميركي، جو بايدن، كان قد عمد، منذ العام الماضي، إلى إعطاء أوامر بالبدء في تبادل «الأدلة» حول جرائم حرب مزعومة ارتكبتها روسيا في أوكرانيا مع المحكمة عينها، فقد اعتبر البيان نفسه، هذه المرة، أنّ الولايات المتحدة «كانت واضحة منذ فترة طويلة، وقبل الصراع الحالي، حتى إنّ اختصاص (الجنائية الدولية) محدود»، ولا يشمل «مثل هذه المسائل»، زاعماً كذلك أنّ المحكمة لم تمنح إسرائيل فرصة الدفاع عن موقفها. وخلال حفل استقبال في البيت الأبيض بمناسبة «شهر التراث اليهودي – الأميركي»، وصف بايدن جهود المحكمة بـ«الشائنة»، معتبراً أنّه لا يمكن، بأي شكل، «المساواة بين إسرائيل «وحماس»، وأنّ ما يحصل في غزة «ليس إبادة». وفي حين انضم زعيم الأغلبية في «مجلس الشيوخ» الأميركي، تشاك شومر، إلى بايدن في التنديد بالقرار، فإنّ العديد من الديموقراطيين في المجلس، رفضوا، بحسب شبكة «سي أن أن»، اتخاذ موقف في هذا الصدد، ما يؤكد «الشرخ المتزايد داخل الحزب» بشأن آلية تعامل إسرائيل مع الحرب، فيما عبّر المشرّع، بيرني ساندرز، عن دعمه للقرار. وأمس، أكّد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، من جهته، أنّ «الإدارة الأميركية ستكون سعيدة بالعمل مع الكونغرس بشأن «ردّ مناسب» على تحرك المحكمة ضدّ إسرائيل».
يعمل حلفاء إسرائيل الأوروبيون، خلف الكواليس، على حشد معارضة دبلوماسية لأي أوامر قضائية ضدّها


والمفارقة، أنّ المواقف الأميركية الأخيرة تتزامن مع استمرار دعم الولايات المتحدة، بشكل منفصل، للجهود التي تبذلها «الجنائية الدولية» لـ«توثيق جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا والتحقيق فيها». وتعقيباً على ذلك، قال سفير روسيا في واشنطن، أناتولي أنطونوف، إن واشنطن «تنفي شرعية المحكمة الجنائية الدولية وترهبها بالعقوبات، لكنها لا تتردّد في استخدام هذه المؤسسة ضد من تعتبرهم أعداءها»، مندّداً بـ«ازدواجية المعايير» الغربية. كما أعادت المواقف الأميركية الأخيرة التذكير بالسنوات الطويلة التي دعمت خلالها الولايات المتحدة «الجنائية الدولية» لإصدار قرارات توقيف بحق الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، واثنين من مساعديه بتهمة ارتكابهم «إبادة وجرائم ضد الإنسانية». وقبل صدور القرار الأخير حتى، كان العشرات من أعضاء «مجلس الشيوخ» الجمهوريين قد هدّدوا المحكمة بفرض عقوبات على مسؤولين فيها، في حال مضت قدماً في خطتها، موجهين رسالة إليها مفادها: «استهدفوا إسرائيل وسنستهدفكم. إذا مضيتم قدماً في الإجراءات، فسنتحرك لإنهاء كل الدعم الأميركي، ومعاقبة موظفيكم وشركائكم، وحظركم وعائلاتكم من الولايات المتحدة». ولدى سؤاله عن هذه التهديدات، أكّد المدّعي العام، كريم خان، في مقابلة مع شبكة «سي أن أن»، أنّه تعرّض بالفعل لـ«تهديد»، قائلاً: «لقد تحدّث معي بعض الساسة وكانوا صريحين للغاية؛ إذ قالوا إنّ المحكمة بنيت من أجل أفريقيا ومن أجل (السفّاحين أمثال بوتين)»، على حدّ تعبير أحد المسؤولين.
كذلك، وفي حين دان الممثل السامي لـ«الاتحاد الأوروبي»، جوزيب بوريل، في وقت سابق، «أي نوع من الترهيب بحق (المحكمة الجنائية الدولية)»، فإنّ المعطيات الأولية تشير إلى أن بعض حلفاء إسرائيل الأوروبيين - وعلى الرغم من دعمهم لتحقيقات المحكمة حول أوكرانيا -، يعملون بدورهم، على الأرجح، خلف الكواليس، «لحشد معارضة دبلوماسية لأي أوامر قضائية تصدر بحق إسرائيل»، وفق معلومات أوردتها صحيفة «بوليتيكو» الأميركية.