منذ انتهاء الهجوم، احتفلت القنوات الإسرائيلية، ولا زالت، بما سمّته الانتصار على إيران، وأخذت تتغزّل بالقدرات العسكرية والتكنولوجيا المتفوّقة التي تمتلكها إسرائيل. حتى أنها قلّلت من شأن الدعم الغربي، سواء في الحدث المباشر أو في أصل تفوّق الآلة العسكرية الإسرائيلية، سواء أكانت تلك الآلة من صنع إسرائيلي كـ«القبة الحديدية» وصواريخ «حيتس» (الذي جرى في الأساس تطويره ضمن برنامج أميركي - إسرائيلي مشترك)، أم صناعة أميركية أو غربية أخرى نُقلت إلى إسرائيل، من مثل طائرات «أف 35». ثم وضعت الإسقاط المباشر من قبل الحلفاء لصواريخ ومسيرات إيرانية وغير إيرانية، في الخلفية كأمر ثانوي. فعلى سبيل المثال، قال أحد المحلّلين العسكريين الإسرائيليين على «قناة 14» القريبة من بنيامين نتنياهو، إن الأجواء في منطقة الشرق الأوسط بكاملها أُديرت في تلك الليلة من غرفة عمليات في تل أبيب.
إيران أبلغت كل من يعنيهم الأمر مسبقاً بردّها، كما لو أنها كانت تدعو إلى «عرس»
التفسير الأقرب، أو ربما الأوحد المنطقي، للصورة التي حاولت إسرائيل تقديمها، هو أنها ما زالت تبحث، بلا نجاح، عن صورة انتصار منذ السابع من أكتوبر. انتصار لم تستطع العثور عليه في قطاع غزة، فقامت بتوجيه الضربة إلى القنصلية الإيرانية في دمشق علّها تجده هناك. لكن بما أن إيران قد ردّت بشكل جعل الردّ الإسرائيلي، السريع والمباشر، على الردّ، صعباً ومكلفاً، فإنه لم يعد أمام الدولة العبرية إلا تحويل الحدث ذاته إلى «انتصار». كما أن رواية «الانتصار» تعفي صانع القرار الإسرائيلي، أي نتنياهو، من حرج عدم الردّ، أقله بشكل مباشر. ولذلك، ساعد في دعم هذه السردية الرئيس الأميركي، جو بايدن، المعني بعدم قيام إسرائيل بهجوم واسع مضادّ، وهو الذي قال لنتنياهو إن النجاح في الاعتراض بهذه النسبة يمثّل «انتصاراً»، وإن الرد الإيراني أظهر وجود تحالف قوي متماسك خلف دولة الاحتلال، كسر العزلة التي بدت عليها الأخيرة في الأسابيع الماضية بسبب التخبّط في قطاع غزة. وفي هذا الجانب، كانت القيادة الإسرائيلية معنية أكثر بأن تقدم إلى جمهورها صورة تفيد بوجود حلفاء عرب يدافعون عن إسرائيل، وهو ما وفّرته المشاركة الأردنية في التصدي للصواريخ والمسيّرات الإيرانية، فيما بعض التقارير الإسرائيلية تحدثت عن دعم من دول خليجية أيضاً.
لكن ذلك يتعارض مع الرسائل التي أوصلتها دول خليجية إلى إيران أثناء الحدث ذاته، من أنها ترفض استخدام أراضيها منطلقاً لتوجيه أي ضربة إليها. ومع هذا، لن يكون مفاجئاً ألّا يقول بعض أنظمة الخليج المطبّعة مع إسرائيل والتابعة للولايات المتحدة، حقيقة ما يفعله. والنتيجة في الأحوال كلها، واحدة، وهي أن الدول العربية التي تستطيع أن تكون جزءاً من تحالف يدافع عن إسرائيل ليست كثيرة، وربما كانت واحدة فقط أو اثنتين.
يضاف إلى ما تقدّم، أن صورة «الانتصار» نفسها إذا نظرتَ إليها من زاوية أخرى، ستجدها مختلفة، فلماذا مثلاً لا نرى انتصاراً لإيران في ظل حقيقة أن الدول القوية التي تدعم إسرائيل كانت تبحث عن أعذار لعدم التورّط في حرب معها، فيما تنهال الصواريخ على دولة الاحتلال وسكانها يقيمون في الملاجئ؟ ألم تكن الأجواء احتفالية عند كل من يكره إسرائيل، وحزينة ومثيرة للخوف عند كل من يدعمها؟ ثم ما دامت تل أبيب وحلفاؤها قد علموا بنوايا طهران قبل أسبوعين من الضربة، فلماذا اكتفوا بوضع خطط لإسقاط الصواريخ ولم يضعوا خططاً للرد المباشر أثناء المعركة؟ أكثر من ذلك، ماذا لو أرسلت إيران موجات متتالية من الصواريخ والمسيّرات، وعلى أيام عدة، هل كان الاعتراض سيكون بالكفاءة نفسها؟ وماذا لو أُطلقت دفعات مماثلة من حدود مباشرة مع فلسطين كلبنان؟
الانتصار الذي تتحدّث عنه إسرائيل وهمي. وهذا هو السبب الذي من أجله يجتمع مجلس الحرب الإسرائيلي على مدى أكثر من يوم للبحث عن طريقة للرد على الرد الإيراني، وتعصف الخلافات بين أعضائه نتيجة صعوبة الرد، ولا سيما أن إيران نجحت في وضع قواعد جديدة للاشتباك، التزمت عبرها بالقيام بهجوم أعنف على العدو إذا قرّر استهداف الأراضي الإيرانية.