طهران | شهدت العاصمة الإیرانیة، طهران، أمس، وبالتزامن مع مسیرات "يوم القدس العالمي"، تشييع جثامین عناصر "الحرس الثوري" السبعة الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق يوم الإثنين الماضي، فيما تستمرّ التكهّنات حول الردّ الإيراني المحتمل على هذا الهجوم. وهتف آلاف المشاركین في مراسم التشييع ومسيرات "يوم القدس" التي أقيمت العام الحالي تحت عنوان "طوفان الأحرار"، شعار "الموت لأميركا" و"الموت لإسرائيل"، وطالبوا بالثأر لدماء مَن قُتلوا في الهجوم على القنصلية، ومن بينهم القيادي الكبير في "الحرس"، العميد محمد رضا زاهدي. ورُفعت في المسیرة لافتة كبيرة كُتبت عليها عبارة "سنجعل الصهاينة يندمون"، والتي قالها المرشد الأعلى الإیراني، علي خامنئي، في أعقاب الضربة.وبحسب تصريحات المسؤولين، والنقاشات الدائرة في البيئة السياسية والإعلامية الإيرانية، يبدو أن الجمهورية الإسلامية قرّرت إظهار ردّ فعل عملي على الهجوم الإسرائيلي الأخير، ليس واضحاً بعد كيف ومتى سيتمّ تنفيذه. وفيما يتوقّع البعض أن تستهدف إيران مناطق في الأراضي المحتلّة، انطلاقاً من أراضيها، بصواريخ بعيدة المدى، يقول آخرون إن الردّ سيكون من دول أخرى في المنطقة بهدف تقليل العواقب.
وفي خطابه لمناسبة "يوم القدس العالمي"، شدّد القائد العام لـ"الحرس الثوري"، اللواء حسين سلامي، على أن "أيّ اعتداء ضدّ إيران لن يبقى من دون ردّ ولا يمكن الكيان الصهيوني التهرّب من نتائج ما يقوم به"، مشيراً إلى أن الأخير "يعيش اليوم على الإنعاش الأميركي والغربي"، وأنّه "إذا توقف هذا الإنعاش، سيسقط هذا الكيان. هذا اليوم ليس ببعيد". ومن جهته، هدّد وزير الدفاع الإيراني، محمد رضا آشتياني، خلال فعاليات "يوم القدس"، بأن "كيان الاحتلال الإسرائيلي سيتلقّى صفعة قوية"، على خلفية اغتياله المستشارين الإيرانيين في دمشق. وفي سیاق متصل، وعلى هامش المسيرة في طهران، أکّد نائب قائد الجيش الإيراني، الأدميرال حبیب الله سياري، أن "ردّنا على الصهاينة سيكون صعباً". وبدوره، قال مساعد الرئيس الإيراني، محمد جمشيدي، عبر منصة "إكس": "حذّرنا واشنطن من أن لا تقع في فخّ نتنياهو وكانت الرسالة: تنحّ جانباً حتى لا تتلقى ضربة".
وفي هذا الإطار أيضاً، كتبت صحيفة "كيهان" القریبة من مکتب المرشد الأعلی: "لا يوجد مواطن إيراني ضدّ الردّ المتناسب على الکیان الصهيوني، لأنه يعلم أن عدم الردّ يعني تكرار هذه الجرائم. والخلاف إنّما يكون في النوع وربّما المكان والزمان وكذلك في شدّة هذا الردّ. هذا النوع من الخلافات طبيعي تماماً". وذكرت صحيفة "جوان" المقرّبة من "الحرس الثوري" أن "العدّ التنازلي للردّ الإيراني الرادع قد بدأ". ووفق المحلّل الأمني في الصحيفة، هادي محمدي، فإن "إسرائيل تسعى، وبضوء أخضر من الولايات المتحدة، إلى حرب استنزاف مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري والقضاء على قادته تدریجیّاً".
يبدو أن الجمهورية الإسلامية قرّرت إظهار ردّ فعل عملي على الهجوم الإسرائيلي الأخير، ليس واضحاً بعد كيف ومتى سيتمّ تنفيذه


في المقابل، نقلت صحيفة "هم میهن" عن محلّل شؤون الشرق الأوسط في طهران، جعفر قنادباشي، قوله: "كما تصرّفت إيران بشكل محسوب رداً على اغتيال الجنرال قاسم سليماني على يد الولايات المتحدة، فإنها ستفعل الشيء نفسه هذه المرّة. إيران لن تدخل لعبة إسرائيل. يريد الإسرائيليون أن تكون ردّ فعل إيران لصالحهم، لكن الجمهورية الإسلامية ستتصرّف بحكمة وعقلانية كما فعلت خلال الأشهر الستة الماضية من الحرب في غزة. وسيكون الردّ الإيراني بحيث لا يعطي إسرائيل ذريعة لتصعيد الصراع".
وتفيد تقارير مختلفة بأن إسرائيل تأخذ تهديدات إيران ضدّها على محمل الجدّ، وأنها تستعدّ لكلّ السيناريوات، ما دفعها إلى رفع حالة التأهّب تحسّباً لردّ إيراني محتمل، واستدعاء احتياطيات قواتها الجوية، فضلاً عن إلغاء إجازات الجنود. وفيما أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية إغلاق عدد من السفارات في الخارج وإجلاء الموظفين نتيجة التهديدات الإيرانية، نفت وزارة الخارجية الإسرائيلية هذه التقاریر. وفي هذا الإطار، نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن ناطق باسم الخارجية الإسرائيلية، تأكيده أن "المنشورات في الصحافة الإسرائيلية حول الإغلاق المؤقت لعدد من السفارات وإجلاء الموظفين بسبب التهديدات الإيرانية غير صحيحة". ولكن صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية ذكرت، مساء الخمیس، أنه تم إخلاء 7 سفارات إسرائيلية تحسُّباً للردّ الإيراني. كذلك، أفاد موقع "واينت" بأن وزارة الخارجية، وبالتشاور مع جهاز الأمن العام "الشاباك"، أمرت بالإغلاق المؤقت لعدد من البعثات الدبلوماسية في الخارج، بسبب مخاوف من تهديدات الردّ الإيراني، مشيراً إلى أن الدبلوماسيين الإسرائيليين في الخارج يشعرون بقلق بالغ ويخشون أن يصبحوا هدفاً للانتقام.
وفي الوقت نفسه، أفاد موقع "أكسيوس" الأميرکي، أمس، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، بأن تل أبيب أبلغت واشنطن بأنه "إذا شنّت إيران هجوماً على إسرائيل انطلاقاً من أراضيها، ردّاً على الهجوم على قنصليتها في سوريا، فإنها ستواجه ردّاً إسرائيليّاً قويّاً وستقوم إسرائيل بتصعيد الصراع الحالي إلى مستوى أعلى". وقال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون لموقع "أكسيوس"، إن "إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية قلقتان للغاية من أن إيران تستعدّ لهجوم وشيك"، فيما ذكر الموقع أن التقييمات والمعلومات الإسرائيلية حول الإجراءات الانتقامية المحتملة لإيران تمّت مناقشتها خلال محادثة هاتفية بين وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، ونظيره الأميركي لويد أوستن، مساء الأربعاء. وفي حين نفی المسؤولون الأميركيون أيّ صلة للولايات المتحدة بالهجوم على القنصلية الإيرانية، أكّد البيت الأبيض، في بيان أعقب المحادثة الهاتفية التي جرت مساء الخميس بين بايدن ونتنياهو، أن واشنطن تدعم تل أبيب "بقوّة" ضدّ ما سمّاه "التهديد الإيراني".