وعلى مدى سنوات، ظلّ «الإصلاح» حريصاً على عدم التضحية بإرث العلاقة التاريخية مع السعودية، وخصوصاً أن الأخيرة لعبت دوراً محورياً في تأسيسه عام 1990، من أجل مواجهة «الحزب الاشتراكي». ومذّاك، مدّت الرياض الحزب بالمال والسلاح، ليقوم بدور وظيفي لمصلحتها، لكن الأخير تحوّل إلى تنظيم واسع الانتشار ومتين الهيكل، ووضع أهدافه الذاتية، ونسج تحالفاته الخاصة، من دون أن يمنعه ذلك من ربط مصيره بالسعودية، وإفراد بند في نظامه التأسيسي يؤكد على خصوصية العلاقة مع المملكة. وفي المقابل، ورغم أن السعودية استثمرت في «الإصلاح» لأكثر من ثلاثة عقود، إلا أنها تتوجّس منه، وترى أنه لم يعد «ماركة سعودية»، وخصوصاً أنه يطمح إلى السلطة، وينسج علاقات محلية وخارجية، الأمر الذي يُعد تمرداً على دوره الوظيفي. ومن هنا، بدا لافتاً كيف غضّت الرياض الطرف، وهي ترى معاول أبو ظبي تنهال على الحزب في محاولة لاجتثاثه من جذوره.
في خضم المعترك الذي أوصل «الإصلاح» إلى حائط مسدود، أبقت صنعاء أبوابها مشرّعة أمامه في انتظار لحظة التحوّل
ولم يشفع للحزب بقاؤه في فلك «التحالف»، وقتاله تحت ظلال «الشرعية»، بل خلال ما يقرب العقد من الحرب، تحوّل إلى هدف مركزي للسعودية والإمارات، فضلاً عن أنه وجد نفسه عدواً لجميع القوى المحلية الفاعلة، سواء «المجلس الانتقالي الجنوبي» أو «المؤتمر الشعبي العام» الذي يقوده طارق صالح. وخوفاً من مزاحمة «الإصلاح» للأخيرَين في الساحة، دُكّت معاقله ومعسكراته، إما بالهجوم العسكري المباشر من قبل حلفاء أبو ظبي، أو عبر اتفاقيات الرياض التي أفضت إلى تقليم مخالبه، باستثناء بعض قواته في تعز ومأرب ووادي حضرموت. وفي خضمّ هذا المعترك الذي أوصل الحزب إلى حائط مسدود، لم تُغلق صنعاء أبوابها في وجهه، بل أبقتها مُشرعة له وبشكل معلن، في انتظار لحظة التحوّل في مساره. كما لم تكتف برسائل الهمس الديبلوماسي لـ«الإصلاح»، بل أعلنت استعدادها لإسناد قواته التي تعرّضت لعدوان خارجي في شبوة وحضرموت، قبل عامين تقريباً، وهي الفترة التي شهدت تناغماً في الخطاب الإعلامي بين «أنصار الله» ونشطاء الحزب وإعلاميّيه. وإذ ظلّ الموقف الرسمي لـ«الإصلاح» ملتزماً «النص» السعودي، فإن الحزب تلقّف دعوات صنعاء، ليبني عليها تفاهمات في السرّ، سواء في ما يتعلّق بالجبهات، أو ما يتّصل بتبادل الأسرى وفتح الطرقات.
ومع ذلك، لم يتجرأ الحزب على اتخاذ قرار العبور نحو المصالحة الشاملة مع «أنصار الله». غير أن التحوّلات الأخيرة، ربطاً بالسعي السعودي إلى إحلال السلام مع اليمن، إضافة إلى موقف المملكة من تطورات البحر الأحمر واتصالها بالحرب الإسرائيلية على غزة، بدأت تفعل فعلها في ردم الهوة بين الجانبين بشكل متسارع، رافعةً الحرج عن الحزب أمام أنصاره، وخصوصاً أن هؤلاء مؤيدون لمعركة صنعاء ضد الملاحة الإسرائيلية، ورافضون للعدوان الأميركي - البريطاني على اليمن، الأمر الذي أضاف ملفاً إلى ملفات التقارب، يتمثّل في توحيد الموقف لمساندة الشعب الفلسطيني، إضافة إلى ملفات الحل السياسي الداخلي، والأسرى، والطرقات، والوضع في مأرب. غير أن أجنحة في الحزب لم تلتزم بتلك التفاهمات، ويبدو أنها وقعت في مربّع الاستقطابات الخارجية، وهو ما يشكّل إرباكاً لترتيبات التسوية بين الطرفين. ولربّما جاء إعلان القيادي في «الإصلاح»، نائب رئيس مجلس القيادة، ومحافظ مأرب، سلطان العرادة، فتح طريق مأرب - صنعاء، بدفع من الخارج، من أجل قطع الطريق على الترتيبات الواقعية بين «الإصلاح» وصنعاء، وهذا ما تعتقده قيادات بارزة في حركة «أنصار الله».
هكذا يبدو حصاد «الإصلاح» من الحرب: يدفع ثمن الانخراط فيها كمن وقف ضدها، رغم أن التيار العريق في الحزب، لم ينجرف في المنعطفات الحرجة التي مرّ بها اليمن، إلا بعد دراسة الموقف من زاوية الربح والخسارة أولاً، وهو يخسر الآن، ويعرف جيداً أن الرهان على «التحالف» لن يعيد إليه مجده، ولن يستطيع حتى الحفاظ على ما تبقّى لديه من نفوذ، وأنه من أجل ترميم تنظيمه، لا بد من قفزة نوعية تبقيه على قيد الحياة السياسية. وعليه، السؤال هو: هل يفعلها الحزب في الوقت الراهن، ويدشّن موسم الحج إلى صنعاء؟