في خضمّ انشغالها بالتطورات في البحر الأحمر، يبدو أن واشنطن لا تريد تغيير الوضع القائم في محافظة حضرموت شرقي اليمن، وإنهاء الانقسام القائم في المحافظة بين الجماعات الموالية لأبو ظبي وتلك التابعة للرياض. ورغم أن السباق يحتدم بين العاصمتَين الأخيرتَين هناك، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تقف على مسافة واحدة منهما، في وقت تكتفي فيه بتكثيف حضورها العسكري والأمني في حضرموت، رغم أنها فرضت، منذ ما بعد اشتعال المعركة البحرية، سياسات جديدة في بقية المحافظات الواقعة تحت سيطرة التحالف السعودي - الإماراتي.وفي محاولة لكسر قواعد التفاهم بينها وبين أبو ظبي، دفعت الرياض بقوات «درع الوطن» الموالية لها إلى غرب المكلا، مركز محافظة حضرموت، حيث المنطقة الخاضعة للجماعات الموالية للإمارات. كما نشرت تلك القوات في الوادي والصحراء، ضمن نطاق سيطرة القوات التابعة لها، وهو ما أثار ردّة فعل إماراتية، ليس على المستوى السياسي فقط، إنما شملت أيضاً الجانبَين الأمني والعسكري. ويبدو أن ورقة الضغط الكبرى التي تلوّح بها أبو ظبي في وجه الرياض اليوم، تتمثّل في فض الشراكة وإلغاء المحاصصة القائمة داخل «المجلس الرئاسي» والحكومة، وهذا ما ألمح إليه «المجلس الانتقالي الجنوبي» بالتزامن مع التحشيد الشعبي في المكلا، قبل أيام، رفضاً لنشر السعودية قوات «درع الوطن»، والدعوة الصريحة إلى بسط نفوذ قوات «النخبة الحضرمية» على الوادي والصحراء والساحل، أي كل مناطق حضرموت.
إزاء ذلك، يُطرح السؤال حول أسباب انفجار التوتر بين الطرفين في شرق اليمن في هذا التوقيت، وما إذا كان مرتبطاً بتطورات البحر الأحمر، أم إنه حلقة جديدة من مسلسل التصارع على امتيازات حضرموت من حيث الموقع والثروات، والتي تشير بعض الدراسات إلى أن المحافظة تتفوق بها حتى على الإمارات وبعض الدول الخليجية. أيّاً تكن خلفيات ما يجري حالياً، فالأكيد أن حضرموت تمثّل بالنسبة إلى السعودية بُعداً جيوسياسياً، لا يرتبط فقط بتمكين الرياض من الوصول إلى البحر العربي والمحيط الهندي، وإنما تشكّل أيضاً سياجاً أمنياً للمملكة، وفقاً لتصريحات سياسيين سعوديين أكدوا رفضهم اقتراب المليشيات التابعة للإمارات من حضرموت والمهرة، لأن المسألة تتعلّق بأمن السعودية.
على المقلب الآخر، تسعى أبو ظبي إلى إزاحة النفوذ السعودي في حضرموت والمهرة، الأمر الذي يمكّنها من رفض مخرجات السلام بين الرياض وصنعاء، على اعتبار أن الأرض باتت تحت سيطرة «المجلس الانتقالي» التابع لها، والذي يرأسه عيدروس الزبيدي. لكن هذا الحلم لم يتحقق للإمارات منذ ما يقرب من العامين، لعدّة أسباب أهمها أن موقف واشنطن من الصراع البيني هذا، ما زال رمادياً، فضلاً عن أن الرياض لوّحت بقصف القوات الموالية لأبو ظبي في حال تقدّمت صوب وادي حضرموت، لا بل إنها وسّعت من خريطة انتشار قوات «درع الوطن» في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الإمارات، كعدن وأبين ولحج وشبوة.
وبرأي مراقبين، فإن السعودية وجدت نفسها، بعد تسع سنوات من الحرب على اليمن، في مواجهة حقيقية مع حليفها الوحيد في هذه الحرب، أي الإمارات. وفي المقابل، فهي لا تمتلك خيارات تمكّنها من الخروج من المأزق اليمني إلا بالذهاب إلى عملية سلام مع صنعاء، لأن البديل من ذلك، الدخول في مواجهة حتمية مع أبو ظبي، لن تقتصر ارتداداتها على الداخل اليمني فقط، بل ستطال المنطقة برمتها. لكن حتى هذا المخرج تضع الإمارات دونه عراقيل، أبرزها زحف قواتها نحو المحافظات الشرقية من البلاد، والذي سيشكّل أكبر تهديد بالنسبة إلى السعودية، يضعف من أوراق تفاوضها مع «أنصار الله».