في موازاة الحظر البحري الذي تفرضه القوات المسلّحة اليمنيّة على الموانئ الإسرائيلية، تزداد الدعوات العالميّة لمقاطعة الشركات الإسرائيلية، وكذلك الدوليّة الداعمة للكيان الصهيوني، في محاولة لتشديد الخناق على إسرائيل ودعم الشعب الفلسطيني. وإذا كان الحراك الآتي من اليمن قد أثبت فعاليةً سريعةً في مدة قصيرة، ما دفع الولايات المتحدة إلى محاولة تشكيل تحالف بحري لمحاولة ردع اليمنيين، فإنّ حصاد حملات المقاطعة الشعبيّة المستمرّة منذ سنوات طويلة لا يزال خجولاً، رغم إحراز بعض الخروقات المهمة. تُظهر المتابعة الدقيقة لدعوات المقاطعة وتحديداً الاقتصاديّة حول العالم أنّ فعاليتها لا تزال محدودة قياساً بحجم الإجرام الإسرائيلي المرتكب على مرأى من العالم أجمع. صحيح أنّ فكرة المقاطعة لاقت أصداء واسعة ووصلت إلى شرائح اجتماعية مختلفة حول العالم، مستفيدة بذلك من فعالية وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنّ هناك تشتتاً في آلية اتخاذ القرارات من الجهات الفاعلة في مجال المقاطعة، إضافة إلى خلافات حول الإستراتيجيات الواجب اتباعها، وخصوصاً أنّ دخول الصراع مرحلة جديدة بات أيضاً يتطلّب إجراءات مغايرة عن تلك المعتمدة سابقاً.
(غابرييلا مورس)

تؤكد عفيفة كركي، الناشطة والفاعلة في مجال المقاطعة والعضو السابق في «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» أنه «بشكل موضوعي، لا يمكن الحديث عن فعالية للمقاطعة في الوقت الراهن وتحديداً اقتصادياً. ولو كان هناك فعلاً فعاليّة لكانت شركة كـ Carrefour الفرنسيّة قد خرجت منذ زمن من السوق الإسرائيلية، وخصوصاً أنّ الدعوات إلى مقاطعتها ليست جديدة». (أشارت حركة مقاطعة إسرائيل في منشور على منصة X إلى أنّ شركة «كارفور» قدمت آلاف الطرود المجانية والشحنات الشخصية لجنود جيش العدو الإسرائيلي، بينما سارعت المجموعة نفسها إلى إخراج المنتجات الروسية من متاجرها تضامناً مع أوكرانيا). وتلفت كركي إلى أنّ «شركة «بوما» الألمانية المتخصّصة في مجال الألبسة والأحذية الرياضية هي الوحيدة التي أعلنت أنّها ستُنهي رعايتها لمنتخب إسرائيل لكرة القدم عند نهاية عام 2024. ولا أحد يعلم ما قد يحصل حتى ذلك الحين». من المهم الإشارة إلى أن حركة مقاطعة إسرائيل أقرت في بيان لها عقب إعلان «بوما» إنهاء عقد الرعاية للمنتخب الإسرائيلي أنّ حملة مقاطعة الشركة كانت قد بدأت عام 2018، أي إنّ خمس سنوات مرت، وهي مدة طويلة، مع العلم أنّ «بوما» ادّعت أنّ القرار كان متخذاً منذ عام 2022، أي لا شأن له بالإبادة الحاصلة في غزة.
لا شك في أن مواجهة شركات عالميّة بهذا الحجم، ومن يقف خلفها من دول، ليس بالأمر السهل على أي حملة ترتكز على المبادرة الشعبية بشكل طوعي وتعتمد على الدعاية والتمني وسيلة لإيصال رسالتها. لكن في الوقت عينه، فإنّ هذه الوقائع لا يجب أن تحجب القصور الحاصل الذي يزيد ضعف الفعالية المرجوّة. تشرح كركي في هذا الإطار أنّ «حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة باسم BDS حركة فلسطينية ذات امتداد عالمي، تعمل بشكل لا مركزي، إذ توجد في عدد من الدول حول العالم، ولكن لكل منها خصوصيتها نسبة إلى مكان تواجدها والظروف المحيطة بعملها». وتوضح أنّ BDS «تعمل وفقاً للقانون الدولي» (تؤكد على موقعها الإلكتروني أنها تناضل من أجل تطبيق الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وتسعى إلى عزل دولة الاحتلال والاستعمار-الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي)، «أي إنها تعترف بإسرائيل، فيما هنالك حركات مقاطعة أخرى لا تعترف بإسرائيل من الأساس مثل «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» أو الحملة التونسية لمناهضة التطبيع». هذا الاختلاف لا يعني انعدام التعاون، بل على العكس يتم التعاون في ما بينها، ولكنّ الهدف مما سبق هو إظهار أنّ آلية اتخاذ القرار ليست مركزية وهرمية، وهو ما قد ينعكس على النتائج المرجوة.
من الشركات الداعمة للكيان: «نستله» و«بيبسيكو» و«ستاربكس» و«جونسون أند جونسون» و«لوريال» و«مارس»


وتلفت كركي إلى أنّ أحد أوجه الخلاف الأساسية تتركز «حول الخطة الواجب اعتمادها للمقاطعة التي تؤثر بدورها في الفعالية. على سبيل المثال، تدعو BDS إلى أن تكون المقاطعة مركّزة، أي عبر التركيز على عدد محدد من الأهداف ومدى القدرة على دفعها للخروج من السوق الإسرائيلية، فيما هنالك وجهة نظر أخرى تقول إنّ المقاطعة المركّزة لا تتعارض مع الدعوة لمقاطعة شركات أخرى غير تلك التي تحدّدها الـ BDS». في هذا السياق، تتحدث كركي عن «وجوب الفصل بين الشركات التي تعمل في «إسرائيل» لمصلحة تجارية بحت وبين الشركات التي يشتمل عملها ودعمها لإسرائيل على بُعد أيديولوجي، وهي الأولى التي يجب مقاطعتها ومواجهتها. أما الدعم الأيديولوجي، فمن مظاهره دعم بعض الشركات لإسرائيل فيما لا تقدّم الدعم نفسه لأي دولة عربية، ومنها تلك التي تمتلك مراكز تطوير وأبحاث في الكيان وفي بلد المنشأ فقط. ومن الشركات الداعمة لإسرائيل أيديولوجياً: «نستله» و«بيبسيكو» و«ستاربكس» و«جونسون أند جونسون» و«لوريال» و«مارس»... ومن الأمثلة عن الدعم الأيديولوجي سحب شركات «نستله» و«بيبسيكو» و«أورانج» رعايتها لـ «مهرجان الجونة السينمائي» في مصر لدعمه الشعب الفلسطيني وإلغائه، أي مظاهر احتفاليّة، حتى الحداد مع الشعب الفلسطيني يستفزّهم».
ومن المهم الإشارة إلى مدى صعوبة المقاطعة وكيف أنّ الشركات لا تتراجع كلياً عن مواقفها، وخصوصاً في حال كانت ذات بُعد أيديولوجي. فشركة «أورانج» الفرنسية للاتصالات كانت قد انسحبت من السوق الإسرائيلية عام 2015، لكن كما بيّنا أعلاه، ما زالت تتخذ مواقف مؤيدة لإسرائيل ولو اقتضى الأمر مقاطعة مهرجان سينمائي! في السياق عينه، تكشف كركي عن «تشرذم في حركات المقاطعة العربية التي لا تعمل كيدٍ واحدة، ولكل منها حسابات معيّنة تأخذها في الحسبان، كما وتأثير موجة التطبيع العربية مع إسرائيل في مدى فعالية أنشطة المقاطعة».
منذ عملية «طوفان الأقصى» وما تبعها من إبادة منظّمة انتهجتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، تركّزت المعلومات حول آثار المقاطعة على شركة Starbucks التي كشفت المعطيات عن انخفاض في قيمتها السوقية بنحو 11 مليار دولار. أما خلاف ذلك، فلا معطيات يمكن التعويل عليها للحديث عن نتائج مبهرة لحملات المقاطعة منذ شهرين حتى الآن.
طبعاً هذا لا ينفي العمل الجبّار القائم، الذي دفع برئيس وزراء الكيان نتنياهو إلى اعتبار حملات المقاطعة تهديداً إستراتيجياً لإسرائيل عام 2017. وفي عام 2015، استحدث الكيان مكتب مناهضة المقاطعة في «وزارة الشؤون الإستراتيجية». لكنّ متابعة حصيلة النتائج المحقّقة، وخصوصاً من الناحية الاقتصادية، لا تزال شحيحة، خصوصاً إذا ما قيست بحجم الإجرام الإسرائيلي عبر العقود. ويتناول مقال منشور على صفحة BDS في شهر تموز (يوليو) المنصرم إنجازات الحركة في 18 عاماً، ويظهر أنّ تأثير المقاطعة طال عدداً من الشركات على نحو متفاوت سواء من حيث الخروج من السوق الإسرائيلية أو وقف الشراكات مع شركات إسرائيلية أو إغلاق عدد من الشركات لفروعها في المستوطنات غير الشرعية، إلا أنّ العدد الإجمالي للشركات لا يتعدى بأحسن الأحوال 15 شركة، بعضها عاد ودخل إلى السوق الإسرائيلية بطرق ملتوية أو تحت مسميات أخرى.
ووفقاً لكركي، فإنّ «المقاطعة أثّرت من دون أي شك بشكل عام ولكن ليس بشكل كافٍ اقتصادياً. وهو ما يعيدنا إلى ما قاله الكاتب الفلسطيني الراحل سماح إدريس: عند استحالة مقاطعة كل شيء، عودوا إلى مبدأ: قاطعوا ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، والأسوأ ثم السيّئ».



دليل جديد
بعد عملية «طوفان الأقصى»، أعدّ فاعلون لبنانيّون مستقلّون في المقاطعة دليلاً شاملاً للمقاطعة يتضمّن أبرز 40 شركة عالميّة متورطة في استثمارات اقتصاديّة في الكيان الصهيوني أو في دعم جيش أو حكومة الاحتلال عسكريّاً أو تكنولوجيّاً أو ثقافيّاً، وترسيخ الصهيونيّة عبر أنشطة داعمة للاستيطان.
وقد طوّر الفاعلون موقعاً باسم Sawtak.com سيجهز في الساعات المقبلة، يتضمّن أبرز المنتجات التي تنتهجها هذه الشركات. وسنكتفي هنا بعرض أسماء الشركات فقط بحسب قطاعات عملها:
- في قطاع المشروبات والمأكولات:
Coca-Cola وDanone وKellogg’s وMars وMondelez وNestlé وPepsico وUnilever وYoplait وPhilip Morris
- في قطاع المطاعم والمقاهي:
Starbucks, Burger King, McDonald's, Domino's Pizza, Wimpy و Americana، التي تضمّ العلامات التجاريّة التالية KFC, Pizza Hut, Costa Coffee, Baskin-Robbins...
- في قطاع الألبسة:
Calvin Klein, Lacoste, Marks and Spencer, Nike, Puma, Ralph Lauren, Tommy Hilfiger, Hanes, Victoria's Secret
- في قطاع العطور ومستحضرات التجميل والعناية بالبشرة:
Estée Lauder, Johnson & Johnson, Revlon, L'Oréal
- المتاجر الكبرى:
Carrefour, Tesco
- قطاع الألعاب:
Hasbro
- قطاع التكنولوجيا:
HP, IBM, SanDisk
- شركات كبرى أخرى:
Amazon, AXA Insurance, Caterpillar CAT, General Electric, Hyundai
- قطاع منتجات النظافة المنزلية والشخصية:
Kimberly Clark, Unilever, Procter & Gamble