منذ عملية «طوفان الأقصى»، توسّعت الحرب بين الفلسطينيين ومناصريهم، والصهاينة ومؤيديهم إلى جبهات اقتصاديّة وفنيّة وإعلاميّة وشعبيّة وغيرها. لكنّ إحدى أبرز الساحات التي تُخاض فيها معارك لا ترحم، هي «حرب الموظفين» إذا صحّت تسميتها بهذا الاسم. هنا يعمد كلا الطرفين إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للكشف عن أشخاص متّهمين بـ «معاداة السامية» أو «الكراهية الصهيونية» والضغط على المؤسسات والشركات التي توظفهم من أجل فصلهم. الفرق بين طرفَي الصراع يكمن في أن من يكشف عن «كراهيتهم الصهيونية» هم أشخاص كتبوا أو ارتكبوا أفعالاً موثقة تعبّر عن عقليات فاشية ومريضة إلى حدّ الرعب، فيما الكثير ممن تحاول الأطراف المؤيدة للكيان العبري التشهير بهم مستخدمة شمّاعة «معاداة السامية»، هم أشخاص اقتصرت تصريحاتهم وكتاباتهم على دعم فلسطين بشكل عام، أو التنديد بالإبادة الصهيونية المرتكبة، وهو ما يتماهى إلى حد كبير مع ارتكابات «الجيش» الإسرائيلي الذي يعتمد مبدأ الأرض المحروقة ومعاقبة الجميع من دون استثناء.
إحدى أبرز الحملات التي ترمي إلى تعرية الكراهية والإجرام الصهيوني حملة «أوقفوا الكراهية الصهيونيّة» Stop Zionist Hate عبر منصة X (توتير سابقاً). تمكّنت هذه الصفحة (أُنشئت في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر)، في مدة قياسية، من حشد عشرات الآلاف من الأشخاص حول العالم، داعية الجميع إلى تبليغها عن «حوادث الإساءة أو التمييز أو العنف أو خطاب الكراهية الصهيونية من الأفراد أو الشركات أو المؤسسات. نحن نسعى جاهدين لجعل الإنترنت وأماكن العمل والجامعات مكاناً آمناً لجميع الأشخاص». وتشير الحملة عبر صفحتها إلى أنها نجحت «خلال خمسة أيام فقط في طرد العديد من الصهاينة من وظائفهم والكشف عن عدد كبير منهم».

(أوانترا أرتيغالا ـ سريلانكا)

نجاحات الحملة الاستثنائية أشعرت الصهاينة بالخطر، وهو ما ظهر في استماتتهم لقمعها كعادتهم، فنجحوا في إغلاق صفحة الحملة على تطبيق إنستغرام. وفي ازدواجية صارخة ووقحة للمعايير، أبقى التطبيق على صفحة حملة «أوقفوا اللاساميّة» StopAntisemitism التي يستخدمها الصهاينة وداعميهم لقمع كلّ صوت مؤيد لفلسطين وكاشف لإجرامهم. المتابع لصفحة «أوقفوا اللاساميّة» وما تنشره لا يمكن إلا أن يشعر بالاشمئزاز من منطق وأقوال وأفعال الصهاينة أينما وجدوا في العالم.
أحد أبرز الذين نجحت حملة «أوقفوا الكراهية الصهيونيّة» في «معاقبتهم» على كراهيتهم الإجراميّة، دارن كلوغمان (Darren Klugman)، طبيب قلب الأطفال والبروفسور المشارك في «جون هوبكنز الطبيّة» التي تعتبر واحداً من أكبر نظم الرعاية الصحية في العالم، حلّت في المركز الثالث في قائمة أفضل المستشفيات لعام 2020-2021 في الولايات المتحدة وفقاً للتصنيف السنوي لمجلة U.S. News & World Report. من جملة تغريدات طبيب الأطفال المبهرة في وحشيتها «هؤلاء هم الفلسطينيون. حيوانات متعطشة للدماء وفاسدة أخلاقياً ولا تريد أقل من كل شبر من إسرائيل وموت جميع اليهود. توقف عن إخباري عن شركاء السلام. حان الوقت لاستعادة كل شبر من إسرائيل لليهود». الدكتور المتعطش للدماء وجد الوقت أيضاً للتفاعل مع بعض التغريدات، كرده على الكاتبة الفلسطينية مريم البرغوثي بالدعاء «إن شاء الله» بعدما كتبت أنّ «صنّاع السياسة الإسرائيليين يدعون إلى مذبحة واسعة النطاق. وهم يطالبون بإعادة إحياء عقدة النكبة ونشر مذابح على مدار عام لتهجير الفلسطينيين». كذلك عبّر عن غضبه من تغريدة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريز تدعو إلى إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة بالرد عليها عبر إشارة الإصبع الأوسط.
تواصلت الحملة مع إدارة «جون هوبكنز» ودعتها إلى طرد الطبيب، وهو ما استجابت له جزئياً الإدارة حتى الآن، عبر إصدارها بياناً أعلنت فيه منح الطبيب إجازةً وبالتالي لن يكون لديه أي تواصل وتعامل مع المرضى ولا التلامذة، لغاية انتهاء التحقيق الذي ستجريه.
أحد المفصولين من عملهم مدير تطوير الأعمال في Instacart (شركة ناشئة لتوصيل البقالة تبلغ قيمتها السوقية حوالى ملياري دولار) براين كابلان، الذي وثقت له الحملة فيديو مقرفاً وهو على دراجة هوائية في «جامعة ستانفورد» وهو يقول لمجموعة من الطلاب بأن «الحل الوحيد للتوسط في وقف لإطلاق النار هو السماح لإسرائيل باغتصاب 50 امرأة فلسطينية». وقد أصدرت الشركة بياناً أكدت فيه طرد الموظف بسبب «الطبيعة التحريضية والمزعجة للملاحظات التي أدلى بها».
شركة Oyster Ventures سارعت إلى إزالة شريكها المدعو كينيث بالينيغير بعد تغريدات له كفيلة بإرسال أي شخص إلى مصح عقلي. يعتبر كينيث الذي رغب أن يشارك الكوكب أفكاره الإجرامية «الخلّاقة»، أن الفلسطينيين «يتكاثرون كالأرانب، ويربونهم ليكونوا إرهابيين، ما يخلق المزيد من الفقر والبؤس والإرهاب. لذا يجب أن نسمح بذلك. سيكون العالم مكاناً أفضل بكثير إذا لم يتكاثروا». وفي حلّ «مثالي» لمرحلة ما بعد الحرب، يقترح كينيث في تغريدة أخرى أنه «بعد الحرب، يجب أن تتعامل إسرائيل مع غزة كما تتعامل الصين مع شينغيانغ (الإقليم الذي يقطنه الإيغور). حالة مراقبة كاملة، إعادة معسكرات التعليم. التعقيم. إنه أمر مبرر وهو السبيل الوحيد لتهدئة السكان الجهاديين».
شرطة نيويورك نشرت صوراً لسيدة ظهرت في فيديو وهي تهاجم رجلاً وتلقي عليه قهوة ساخنة صارخةً «أتمنى أن يحترق طفلك في فرن»، وكل ذلك بسبب ارتدائه الكوفية! وقد عرضت الشرطة مكافأة وقدرها 3500 دولار أميركي لمن يدلي بمعلومات تفضي إلى إلقاء القبض عليها.
«الكاتبة» الكندية لوران وايز تفتقت قريحتها الأدبية في فيديو مسجل لها وهي داخل سيارتها تهاجم سيدة فلسطينية وتتمنى لها «أن تُغتصب أمام ناظري أولادها» لمجرد أنها تضع علم فلسطين على سيارتها. دار النشر التي تتعامل مع «الكاتبة» طردتها، رغم إصدارها بيان اعتذار عمّا تفوهت به.
أمثلة الرعب والقرق عديدة على صفحة «أوقفوا الكراهية الصهيونيّة»، ومنها من لم يعاقب مطلقوها حتى لحظة كتابة هذه السطور، كدكتور الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا الجنوبية جون ستراوس الذي سجّل فيديو وهو يتحدث عن الفلسطينيين قائلاً: «يجب أن يُقتل كل واحد منهم، وآمل قتلهم جميعاً». في المقابل تكفي جولة بسيطة على صفحة StopAntisemitism لتبيان مدى ضعف حجة الصهاينة وداعميهم وكيف أنهم يحاولون ترهيب أي شخص مناصر للحق الفلسطيني.
منشور على الصفحة يتضمن صورة للطبيب محمد زهيد الذي يعمل في الولايات المتحدة مع سؤال «هل المرضى اليهود في أمان بين يديه؟» سؤال نابع لمجرد تعليق الطبيب في نقاش على فايسبوك قائلاً: «بالنسبة إلى أولئك منكم الذين ما زالوا يصرون على الدفاع والاعتذار عن دولة فصل عنصري عنصرية وحشية وعنصرية تعتبر قتل الأبرياء بمثابة بروتوكول روتيني، فإن «حماس» لم تكن لتضطر للقيام بأي من هذا، لو لم تكن إسرائيل على ما هي عليه بالضبط». منشور آخر على الصفحة لمعلمة مدرسة تدعى ناديا نجم نشرت صورة تقارن فيها بين إسرائيل والنظام النازي. سبب اعتبرته الصفحة كافياً للسؤال: «هل يشعر الأهل اليهود بالأمان بالسماح لنجم بالاهتمام بأولادهم؟».
وفي محاولة وقحة لتحوير الرأي وتوريط الناس والإساءة إليهم، نشرت الصفحة صورة لطالب في «جامعة جورج واشنطن» في اعتصام تضامني مع غزة يحمل لافتة مكتوباً عليها فقط «المجد لشهدائنا».. وقد علقت الصفحة على الصورة بالقول كذباً وافتراءً «إن الإشادة بأولئك الذين قتلوا 1400 إسرائيلي في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) أمر مروع ويجب عدم قبوله أبداً باعتباره أمراً معتاداً في الولايات المتحدة».


دراكولا لا يرتوي من دماء أطفال فلسطين
انتشرت الأسبوع الماضي مجموعة فيديوات لستيوارت سيلدوويتز المسؤول السابق عن منطقة جنوب آسيا في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وهو يتوجه بكلام عنصري ومعاد للعرب والمسلمين، لرجل مصري يعمل كبائع طعام في عربة في نيويورك. تحرش سيلدوويتز بالبائع المصري استمر على مدى أسبوعين، وهو ما قابله البائع بالصمت وعدم الرد والتهديد باللجوء إلى الشرطة، لتجنب الانجرار إلى ردة فعل عنيفة ربما كان يسعى إليها سيلدوويتز.
ويظهر سيلدوويتز في الفيديوات وهو يتوجه بكلام مهين بحق النبي والقرآن، ويتهم البائع بأنه إرهابي لمجرد أنه عربي، كما يهدده بالمخابرات المصرية ويخبره بأنها ستعتقل والديه وتنتزع أظفار والده. كذلك تفاخر بتأييده لإسرائيل ومجازرها بحق الشعب الفلسطيني، وخصوصاً الأطفال بقوله «لو قتلنا 4000 طفل فلسطيني فلم يكن الأمر كافياً». بعد انتشار مقاطع الفيديو على نطاق واسع حول العالم، أعلنت شركة «جوثام للعلاقات الحكومية قطع كل العلاقات مع ستيورات الذي عمل كمسؤول للعلاقات الخارجية فيها، واصفةً تصريحاته بالعنصريّة، فيما زعم المسؤول «الرفيع» في حديث مع جريدة «نيويورك تايمز» بأنه نادم على كلامه ومبرراً تصرفاته بادعائه بأن البائع أبدى دعمه لـ «حماس». وقد أُطلق سراح سيلدوويتز الأسبوع الماضي من دون كفالة، وفق سجلات المحكمة الجنائية في نيويورك. يذكر أن سيلدوويتز تولى مناصب مهمة في وزارة الخارجية الأميركية، ومنها منصب نائب مدير مكتب الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية بين عامَي 1999 و 2003، وهو حائز جائزة الشرف العليا في وزارة الخارجية الأميركية لثلاث مرات!