في مقابلة أجرتها قناة «الميادين» مساء الأربعاء في 22 تشرين الثاني 2023 مع وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، طرح حلاً للقضية الفلسطينية يتمثّل في إجراء استفتاء في فلسطين المحتلة بين اليهود والمسيحيين والمسلمين، لتحديد مصيرهم ومستقبلهم.هذا الاقتراح يقودنا إلى مناقشة موضوعين جوهريين أساسيين يتعارضان مع هذا الطرح، وأولهما:

مساواة المحتل وصاحب الأرض
منذ نشوء الدول الوطنية/القومية في العالم بدءاً من القرن الثامن عشر، تمّ الاعتراف بمبدأ أن الشعب هو صاحب الأرض الوطنية التي توارثها عبر أجيال مديدة، وأن وجوده على هذه الأرض يجسّد انتماءه وهويته الجَمعية الوطنية، وبالتالي هو المسؤول الوحيد عن تقرير مصيره، ولا أحد سواه، ويحق له الدفاع عن أرضه، والقوانين الدولية المتعارف عليها تؤكد شرعية هذا الحق.
فاحتلال الجزائر من قبل الفرنسيين في القرن الماضي، أو احتلال الهند من قبل البريطانيين، أو احتلال الفرنسيين والبريطانيين معاً للمشرق العربي، لا يعطيهم الحق بمشاركة سكان هذه المناطق في تقرير مصيرهم، أو الأدهى، تقرير مصيرهم نيابة عنهم! ولقد اضطرت هذه الشعوب المستعبَدة أن تقدّم تضحيات هائلة، وملايين الشهداء لتحرير أرضها، تماماً كما فعلت فرنسا حين احتلتها ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.
لم أجد صوتاً فرنسياً واحداً يحلّل لألمانيا استيلاءها على مقاطعة «الألزاس» الفرنسية، ويعطيها حق الاستفتاء في مصير تلك المنطقة أو غيرها من المناطق بناءً على دين أهلها، وهل هم بروتستانت أو كاثوليك، واعتُبرت ألمانيا دولة غازية يجب محاربتها، وتحرير الأرض لتعود شرعيتها للدولة الفرنسية، وهذا ما حصل.
فكيف تقبل فلسطين بطرح استفتاء يساوي بين المحتل وصاحب الأرض؟ وكيف يقبل المشرق العربي -وفلسطين في قلب هذا المشرق- الذي تم تقسيمه من قبل الفرنسيين والبريطانيين، أن يشاركه عدو أجنبي في تحديد مصيره؟

الخلط بين الدين والمبدأ الوطني/القومي
الموضوع الأساسي الثاني، وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنقطة الأولى، يتمحور حول واقع الدولة الوطنية/القومية التي لا يجوز الخلط بينها وبين الدين خاصة وأن الدين، أي دين، لا علاقة له بالأرض، بل بإيمان الفرد مهما كانت جنسيته أو عرقه. فالمسلم يستطيع أن يكون أميركياً، أو فرنسياً، أو ألمانياً، وأن ينتمي إلى أي جنسية في العالم، وقد يحارب المسلم الأميركي المنخرط في جيشه الوطني، مسلماً إيرانياً أو عراقياً أو سورياً أو فلسطينياً. القضية الفلسطينية ليست قضية أديان، ولا تُحل باستفتاءات دينية، بل هي قضية وطنية، قضية شعب فلسطيني لم يفرّق يوماً بين فلسطيني مسلم وفلسطيني مسيحي، أو حتى فلسطيني يهودي قبل عام 1948، عام تأسيس دولة «إسرائيل» العنصرية التي قامت على إبادة الآخرين كوسيلة لترسيخ الاستيطان والاستيلاء على الأرض.
المهم هنا هو الأرض، إذ بدونها يخسر الفلسطيني هويته الوطنية/القومية، وهو قطعاً لا يخسر هويته الدينية إذا انتقل إلى أي بلد من بلدان العالم.
الأيديولوجية الصهيونية هي أيديولوجية قومية عنصرية متطرّفة تريد الاستيلاء على منطقة الهلال الخصيب باسم الدين. هذا المُسمى «الشعب اليهودي» - وهو خرافة فنّدها الكاتب شلومو ساند الإسرائيلي في كتابه الشهير «اختراع الشعب اليهودي» الذي صدر عام 2009 - لا ينحصر في دولة، أي ضمن الكيان الصهيوني، فهو في كل مكان، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، لأن اليهودية دين لا عرق، وبرهن مرور الزمن استحالة تحقيق الأيديولوجية الصهيونية التي تصبو إلى نزوح يهود العالم باتجاه «إسرائيل»، وإلغاء وجود هوية السكان الأصليين.
الصهيونية تريد أن تحوّل ديناً إلى شعب، وهذا ما لم يحصل في تاريخ البشرية، فالشعوب هي التي تغيّر أديانها، لكنّ الأديان لا تستطيع أن تخترع شعوباً. يتمحور الصراع اليوم حول الأرض، والتهجير هو الوسيلة الوحيدة التي تمتلكها الصهيونية لإلغاء وطن اسمه فلسطين.
* أستاذة جامعية