بعد انكشاف وحشية آلة الحرب الإسرائيلية أمام العالم كله مع استمرار قصف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء والمؤسسات الدولية، طالعنا المتحدّث باسم جيش العدو، دانيال هاليغفي، أوّل من أمس، برواية مفبركة ظن أنّه يستطيع من خلالها تبرير قصف جيشه للمستشفيات.في الفيديو الذي نشره هاليغفي على حسابه في «X» (تويتر سابقاً)، نشاهد مغالطات لا تتوافق مع الرواية التي يقدّمها حول أنّ حركة حماس تستخدم «مستشفى الرنتيسي» في غزّة كقاعدة لعملياتها العسكرية. المتابعة للأدلة من قبل مستخدمين كثر على منصات التواصل الاجتماعي، كشفت عن سلسلة من التناقضات والمزاعم المشكوك فيها. مثلاً، إحدى النقاط الإشكالية الرئيسية في رواية هاليغفي، هي حول موقع وطبيعة النفق بالقرب من المستشفى الذي يبعد عنه حوالي 200 متر وفق زعم جيش العدو، وأنّ مدخل النفق المزعوم والذي يبلغ عمقه 20 متراً، يوصل إلى «مستشفى الرنتيسي». ومع ذلك، لا يُظهر الفيديو الذي نشره هاليغفي دخوله عبر النفق ومن ثم خروجه إلى داخل المستشفى. يظهر الفيديو نفقاً، ثم يُظهر هاليغفي داخل مستودع المستشفى، في غياب أي دليل بالصورة يوثّق ارتباط مدخل النفق المزعوم بالمستشفى.
ثانياً، يقدّم لنا هاليغفي أسلحة وبنادق وقنابل يدوية وسترة ناسفة داخل إحدى الغرف في المستشفى، والتي يبدو من طلاء جدرانها وكأنها مخصّصة للأطفال. عملياً، يريد أن يقول إنّ حماس تنفّذ عملياتها بالقرب من الأطفال ومن داخل المستشفى. علماً أن لا شيء يُثبت أن ذلك حصل فعلاً، إذ يمكن ببساطة جلب أسلحة ووضعها داخل المستشفى من قبل جيش العدو. ثم يدخل هاليغفي إلى مستودع المستشفى، ويحاول إقناعنا بأنّ درّاجة نارية متوقّفة هناك عليها آثار لطلقة نارية قد استُخدمت لنقل أسرى إسرائيليين من المستعمرات. الإشكالية هنا، كيف استطاع مقاتل حماس أن يهبط بالدراجة داخل نفق مدخله عَمودي وكأنّه مصعد، وبعمق 20 متراً ومعه أسير خلفه من دون أن يرتطم بالأرض؟. ألا يسري قانون الجاذبية على المقاومين؟
ومن الأمور المثيرة للسخرية التي عرضها الفيديو، اكتشافات هاليغفي الخطيرة جداً: زجاجات حليب الأطفال وحفاضات وكرسي حمام. زعم أنّها أدلة على أنّ المكان استُخدم لحجز الأسرى. ولعل أبرز ما يدل على عبقرية هاليغفي ودهاء جيشه، عندما أشار إلى ورقة ملصقة على الحائط، قائلاً إنّ مقاتلي حماس سجّلوا عليها أسماءهم لتقسيم مناوبات مراقبة للأسرى، ليتبيّن للعالم بأسره أنّها مجرد روزنامة من بداية الحرب، والأسماء الموجودة عليها ما هي إلا أيام الأسبوع، من الأحد إلى الإثنين باللغة العربية.
الأمور الحقيقية تكون واضحة وليست بحاجة إلى هذه المحاولات الفاشلة للتبرير. وفي انتظار حلقة جديدة من مسلسل هاليغفي الكوميدي، نتمنّى منه في المرّة المقبلة أن يحترم عقولنا ويقدّم سيناريو أكثر إقناعاً.