في الصورة أعلاه أطفال خُدّج، وفيها ما يمكن القول عنه: «لحم طري ناعم»، وفيها أنفاس صغيرة لا تستهلك من أوكسيجين العالم شيئاً، وفي الصورة أعلاه ضحايا العدوان المجنون على قطاع غزة، أصغر ضحايا هذا العدوان. في الصورة هذه وفي صور غيرها لهم وفيديوهات، عالم يتدحرج نحو أقصى الهاوية، وعالم عربي يزداد انهياراً وانسحاباً نحو أن لا يكون في التاريخ أكثر من «لا معنى». فهؤلاء «الخُدَّج» الذين يأخذون حصتهم من كلام كثير يقال في الأيام الأخيرة على الشاشات.

يحدث هذا في ما هم يرحلون من حيث أتوا، شهداء قبل أن يدركوا أيّ معنى لحياتهم، سوى العدم الذي وضعهم فيه العالم.

■ ■ ■


(أ ف ب)

مثل الذين في الصورة الأولى، هناك من كبروا قليلاً عنهم، وصار اسمهم أطفالاً، نراهم في الصورة الثانية يلعبون ويمرحون، وفي الصورة الثابتة هذه بعد حين، سيفسّر «ناشط» ما اللقطة بأنهم يلعبون في مرافق الأمم المتحدة، لكنّ الصورة التي لا يُسمع فيها صوت القصف، الأطفال فيها يسمعون القذيفة تلو الأخرى تسقط حولهم، وتحوّل غيرهم إلى أشلاء. لكنّهم لا يأبهون، يركلون كرتهم، وربما في مخيّلة أحدهم أنها ستشكل «القبة الكروية» التي ستصدّ الصاروخ التالي عنهم، خارج الصورة.

■ ■ ■


(أ ف ب)

وبعد تعبهم من لعب «القبة الكروية»، سينتظر أحدهم طعامه وطعام أسرته كما في الصورة. وفي الانتظار يمرحون ببعض المزاح وببعض التسالي البريئة، وهكذا حتى يُنادى عليهم لأخذ الطعام المتوفّر لهذا اليوم. هم لم يعرفوا أنهم في وقفتهم هذه يقون ذويهم ذلّ الوقوف، كما وقف آباؤهم هذه الوقفة للذود عن أجدادهم في زمن النكبة. هؤلاء الأطفال في الصورة شاءت ظروفهم أن يكبروا قبل أوانهم، وأن يصير واحدهم عَمود الخيمة التي انتصبت مجدّداً في البلاد.

■ ■ ■


(أ ف ب)

ومن منهم لا ينتظر، يقف ها هنا في الصورة، يرسم أفقاً للحياة القادمة، متعالياً على ما يمكن أن يصيبه بعد المطر من مرض. فأن ينظر إلى الأمام، فإن في عينيه أسراراً تكاد لو قُرئت لأذابت الحديد، ولفعلت في الأرض فعلها، فتنجب «زعتراً ومقاتلين».

■ ■ ■


(أ ف ب)

وهنا في الحقيقة الأخيرة، طفل في رام الله، عيناه إذ تنظران إلى البعيد، تنظران إلى الحرية من بين راية الحرية.